من صحيفة الاوراق العدد يناير 2022 -
المحامي عبدالمؤمن شجاع الدين: ما أبرمه السلف ملزم للخلَف
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدينالأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen
للأسف الشديد في حالات كثيرة يسعى الخلف للتحلل من التزامات أسلافهم في مخالفة صارخة للشرع والقانون، مع أنه من المقرر أنّ ما أبرمه السلف ملزم للخلف حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 23-1-2017م في الطعن رقم (57794)، وقد ورد ضمن أسباب هذا الحكم "وحيث ثبت لدى المحكمة الابتدائية أن والد المدعين كان قد قام بالتوقيع على رقم الانفصال المحرر بقلم...، ولا تناكر من جميع الأطراف بشان ذلك، وحيث إن الشعبة الاستئنافية لم تجد في عريضة استئناف المدعين ما يغير وجه الحكم، وحيث إن المعتبر في الشرع والقانون أن ما أبرمه السلف ملزم للخلف العام، فقد كان ما قضت به محكمة الاستئناف صائبًا وفي محله، وحيث لم يرد في الطعن بالنقض ما يؤثر في صحة وسلامة ما قضى به الحكم المطعون فيه، مما يتعين رفض الطعن موضوعًا"، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين في الأوجه الأتية:** الوجه الأول: السند القانوني للحكم بأن ما أبرمه السلف ملزم للخلف:السلف حينما يبرم تصرفًا بأي من التصرفات، فإنه يكون قد تصرف في حق من حقوقه المكفولة أثناء حياته، فما دام أنه قد تصرف على وجه مشروع، فإن تصرفه لازم وملزِم له، إضافة إلى أن العقود والتصرفات التي يبرمها السلف مع الغير تتعلق بها مصالح وحقوق الغير، ولذلك فإن العقود والتصرفات لازمة ونافذة بالنسبة لأطرافها المتعاقدين، باعتبار العقد شريعة المتعاقدين، فبجب عليهم تنفيذها والوفاء بها، عملاً بقوله تعالى {وأوفوا بالعقود) وقوله تعالى (وافوا بالعهد)، علاوة على أن القانون المدني قد أوجب على المتعاقدين تنفيذ التزاماتهم والوفاء بها، وإذا كانت العقود والتصرفات ملزمة لمن أبرمها (السلف)، فإنها ملزمة أيضًا لورثتهم من بعدهم (الخلف العام) فيجب عليهم احترام وتنفيذ التزامات أسلافهم، وفي هذا المعنى تنص المادة (206) مدني على أنه (ينصرف أثر العقد إلى العاقدين وإلى الورثة (الخلف العام) دون إخلال بأحكام الميراث.
* الوجه الثاني: معنى الخلف العام (الورثة)الخلف العام حسبما ورد في المادة (206) مدني هم ورثة الشخص المتصرف الذي تؤول إليهم أمواله وحقوقه والتزاماته بعد موته، فأطلق عليهم مصطلح (الخلف العام) لأنهم يخلفون مورّثهم في كل حقوقه والتزاماته وفقًا لأحكام الميراث، حيث لا يلتزمون بالتزامات مورّثهم إلا في حدود ما آل إلى كل واحد منهم من تركة مورثهم من حيث قدر المال الذي آل إليهم ونوعه، فلا يلزم كل واحد من الورثة إلا بقدر النصيب الذي آل إليه من مال مورثه، وأيضًا بحسب نوع المال الذي آل إليه إذا كان سلفه قد قرر على ذلك المال حقًّا للغير، فإن التصرف ملزِم لمن آل إليه المال، فلا ينبغي له التحلل من الالتزام الذي التزم به مورثه أو سلفه حسبما قضى الحكم محل تعليقنا حيث ينتقل المال إلى الخلف العام بكافة حقوقه والالتزامات القائمة عليه التي أبرمها السلف.* الوجه الثالث: موضة جحود الخلف لتصرفات أسلافهمجحود الخلف لتصرفات أسلافهم موضة شائعة وساحات المحاكم في اليمن شاهدة على ذلك، وهذه الظاهرة السيئة تهدد الاستقرار والسلم الاجتماعي قبل أن تهدد المراكز القانونية المستقرة، فمن شقاوة بعض الخلف أنك تجده في سبيل التحلل من التصرف أو الالتزام الذي أبرمه سلفه، تجده يتهم آباءه وأجداده بالغباء والرعونة والسفه والجهل والغفلة، وينسب لهم كل قبيح ونقيصة في سبيل أن يتحلل من التصرفات التي أبرمها أسلافه، وهذا عقوق صريح لأسلافه ومخالفة لما أمر به الشارع من البر بالأسلاف والدعاء لهم وطلب المغفرة لهم، وقد ذكر الإمام المرتضى (رحمه الله) في البحر الزخار إلى أن هذا الفعل من الخلَف جالب لعقوبة الله المستعجلة في الدنيا قبل الآخرة؛ لأن ذلك نقض لعقود وعهود السلف التي يجب على الخلف احترامها؛ لِما في ذلك رضا الله ثم رضا الوالدين وما في حكمهما (الأسلاف)، والله أعلم.