أوراق برس -
تعالت أصوات بعض المحللين السياسيين العرب أخيراً مطالبة قوات التحالف الدولي ضد داعش بتغيير بوصلة قصفها تجاه جيش النظام السوري باعتباره أكثر إجراماً بحق المدنيين، معتبرين أن إسقاط ديكتاتور دمشق أول خطوة في الطريق للقضاء على داعش.
هؤلاء في الغالب من الإسلامويين المحسوبين على تنظيم الإخوان الدولي أو المتعاطفين معه، وهذا لايعنينا الآن بقدر ما يعنينا طرحهم السياسي الذي يبدو مشوشاً وشعاراتياً وأحياناً لاعلاقة له بالسياسة على الإطلاق.
ربما كان إسقاط الأسد قبل الخلاص من داعش أولوية بالنسبة للمعارضة السورية المسلحة التي تعمل بشعار “عليّ وعلى أعدائي” نتيجة ما تعرض له الشعب من وحشية النظام وبراميله المتفجرة طوال أكثر من 4 سنوات هي مدة ثورة لا تريد الانتهاء، لكنه بالنسبة لأمن دول الخليج والمنطقة بشكل عام ليس أولوية “سياسية”، لأن تنظيم داعش يمثل بشكل واضح التهديد الأخطر لأمن الخليج، فهو من يفجر المساجد الآن في العواصم الخليجية، وتوسعه على حساب النظام السوري يعني تزايد خطورته وإمكاناته اللوجستية، فعندما تصبح ترسانة جيش النظام من الصواريخ بعيدة المدى و التجهيزات الحربية الأخرى تحت يد البغدادي ورفاقه ستفتح بوابة جهنم في المنطقة ولن يستطيع شيء إغلاقها في وقت قصير على الأقل.
نعم نظام الأسد مجرم و وحشي، لكنه لا يشكل نفس التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة على الدول الأخرى.. الإنسانية شيء والوعي السياسي والأمني شيء آخر ويمكن المواءمة بينهما بحكمة سياسية تقرأ أوضاع المنطقة بشكل سليم واستراتيجي بعيد المدى لا بعواطف جارفة شعاراتية تجر الدمار لبقية الدول.
نظام الديكتاتور الأسد رغم دمويته وحلفه الوثيق مع نظام الملالي في طهران، وحزب الله في لبنان، ليس نظاماً توسعياً أي لايطمح في توسيع حدود دولته على حساب الجيران، بعكس تنظيم الدولة الذي لا يطمح في ابتلاع سوريا والعراق فقط وإنما هدفه الأهم مكة والمدينة والرياض والكويت، هذا من ناحية سياسية وعقدية، أما من ناحية اقتصادية فهو تنظيم طحلبي يتغذى على النفط المسروق، وأكبر خزانات النفط في العالم لاتبعد عنه سوى مئات الكيلومترات جنوباً فهل يعتقد عاقل أنه سيتباطأ في الهجوم عليها إن تخلص من الأنظمة في دمشق وبغداد وامتلك تجهيزاتها العسكرية؟ هذا جنون ولايمكن لأي عاقل أن يتصور أن البغدادي سيبعث لدول الخليج برسائل المحبة بعد سقوط النظام السوري وسيبادلها النظرات الودية من بعيد.
الواقع العسكري على الأراضي السورية يؤكد أن جميع أحزاب وتيارات المعارضة غير قادرة على مواجهة تنظيم الدولة الذي بات يمتلك مساحة تتمدد على نصف العراق ونصف سوريا وتفوق مساحة عدة دول عربية مجتمعة ولم يعد ينقصه إلا الاعتراف الدولي ليصبح من أكبر دول المنطقة، ومن جهة أخرى فإن أحزاب المعارضة السورية تبدو قادرة على إزعاج النظام وإجباره على التنازل بالضغط المستمر إن تخلصت من صراعها مع تنظيم إرهابي أنهكها وعطل ثورتها ليقيم دولة تسبح خارج التاريخ وتتمدد داخل الجغرافيا.