لعل الأسبوعين الماضيين قد حملا في طياتهما مخاضاً معاكساً تماماً لما جرى التخطيط له أن يتم خلال الأعوام الثلاثة الماضية في الوطن العربي بأكمله ، فبفارق زمني لا يتعدى أيام معدودة وهب الله مُلك مصر للمشير عبدالفتاح السيسي ، ووهب الله مُلك سوريا لبشار الأسد (مُجدداً) ، وها هو اللواء خليفة حفتر يواصل التقدم بخطى ثابتة صوب تطهير ليبيا من رجسها .
نعم لقد خططوا للدفع بـ(إخوان) المسلمين إلى سُدة الحكم ، لتنكشف سوءاتهم للمسلمين ذاتهم ، وتُـنْـتَـزَع منهم أوراق التوت فتنجلي عوراتهم لكل ذي عينين ، فيكون الصراع على أشُدِّه بين المسلمين أنفسهم ، دون أن يتكبدوا خسائر تُـذكر من رجال أو عتاد ، ولكن ما لم يحسبوا له حساب قط في خططهم وبدائلها التي ظنوها بالغة الإحكام أن سقوط صنائعهم سيكون مُدوياً ومُذهلاً وفي زمن قياسي ، وفي كل الحالات فإن الهدف نفسه تحقق ولكن بأسرع مما يحلمون .
بدا تنصيب الرئيس عبدالفتاح السيسي حدثاً أسطورياً غير تقليدي ولا مألوف في الوطن العربي من خلال ثلاثة مراسيم لكلٍ منها حضوره المختلف عن الآخر ، تم من خلالها استلام وتسليم السلطة في ثلاثة مواضع مختلفة ما بين رئيس سابق ورئيس لاحق وبصورة حضارية أعادت للأذهان مشهد تسليم واستلام السلطة قبل عامين في دار الرئاسة اليمنية ، في حين كان أنصار سلفه (المخلوع) بحالة هيستيرية منقطعة النظير من الذهول وعدم التصديق ، حتى وهم يدركون سلفاً أن كل ما تراه أعينهم ليس بكابوس أو أضغاث أحلام وليس بجديد ، وقد صار حقيقة مجسدة واقعة على الأرض ، حتى بدأ بعضهم يُعبر عن تلك الحالة بالفكاهة والاستظراف لاستعادة توازن نفسي هم أبعد ما يكونون عنه .
ربما هذا الحدث تحديداً هو الزلزال الأكثر وقعاً وتأثيراً على عقول وأفئدة ما تبقى من فلولهم من (إخوان اليمن) ، وما فوز الرئيس بشار الأسد في سوريا بدورة انتخابية جديدة ، وتصاعد نجم اللواء خليفة حفتر في ليبيا ، إلا هزات ارتدادية لذلك الزلزال المصري في بلد المنشأ الذي ربما فاق المائة درجة على مقياس ريختر ، وامتدت تأثيراته للموضع الوحيد الذي مازالت فيه تلك الجماعة تمارس فيه نشاطها الهدام في النور ، ولازال أعضاءها يسرحون ويمرحون فيه طلقاء أحرار غير مقبوض عليهم ولا مودعين فيه خلف القُضبان في غياهب السجون .
وهنا ينبري النائب الهُمام الذي يُفترض به أنه يُمثل الأمة جمعاء بمختلف أطيافها السياسية والاجتماعية في مجلس النواب ، وقد خرج عن طوره واتزانه ، وراح في منشور له على صفحته الشخصية بالـ Face Book يهذي بكلمات تبين بجلاء حالة التأزيم والاحتقان التي يعيشها بني جنسه ، محاولاً رفع معنوياتهم ، وقد اختار صورةً له في منشوره هو يقف بجوار أطلال ذلك الكيان المتهاوي في تلة (المُقطَّـم) ، فيقذف كل من يخالفهم بالرأي بقوله نصاً : {لن ينال منها (يقصد جماعته) تطاول ونباح (النَّكِرات) و(الأقزام) و(مجهولو النَّسب) إرضاءً لأسيادهم ، وتهافتاً لفتات مالٍ ، وإذعاناً لمن خانوا الأوطان ، وبدَّدوا الثروات ، وأشعلوا في مجتمعاتنا فِتَن الطائفية والعنصرية ، وأعاقوا نهوض الأمة بصرفها عن قضاياها إلى معارك وحروب تدميرية) } ، وهي جرائم ترقى للخيانة عُظمى مارستها جماعته حرفياً وتنطبق تمام الانطباق عليهم ، وترتد إليهم ، ويصلح كلاً منها ليكون ذريعة لتقديمهم للمحاكمة ووقف نشاطهم وحظرهم من ممارسة العمل السياسي ، ومن جانب آخر يمكن أن تتكفل بعض تلك الكلمات بتجريده هو شخصياً من حصانته البرلمانية ، والدفع به للوقوع تحت طائلة حد القذف فيُجلد تعزيراً وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية التي يدعي كيانه التنظيمي وصايته الحصرية عليها .
ولننقل بعضاً آخر مما جاء في ذلك المنشور (الفضيحة) للبرلماني المأزوم : (اليوم يتكرر موقفُ أحفادِ هذه القرية المُنحرفة (قوم لوط) ، تجاه أشرف وأنقى وأطهر جماعة عرفها العصر الحديث ، وهي جماعة "الإخوان المسلمون" الذي عُرِف شبابها في كل قُطْرٍ وبلدة بأنهم: عُمَّار المساجد وروَّادُها) ، متناسياً أن جماعته دعت بمنشورات موثقة لهجر بيوت الله وافتراش الأرصفة والطرق العامة لإقامة الصلاة فيها ، ثم يسترسل بهذيانه في موضع آخر بلسان عربي مبين: (جماعة "الإخوان المسلمون" التي يريد البعض ؟؟!! أن "يُشَيْطنَها" ، لم تقطع طريقاً) ، ولعل هذه الجملة تحديداً تبعث على الكثير من الضحك والسخرية والتهكُّم ، فإن لم يكن ما أحدثوه في العام 2011م شيطنةً وقطعاً للطريق العام وإقلاقاً للسكينة العامة وهدماً للسلم الاجتماعي ، داخلاً في باب الحرابة ، فبماذا غير ذلك يمكن توصيف حالتهم التي كانوا عليها آنذاك ؟!.
نعرف جميعاً أن الفئران إن حوصرت في موضع ما بحيث لا يكون أمامها أي فرصة على الإطلاق للنجاة ، فإنها تتحول لكائنات شرسة ضارية دفاعاً عن وجودها المهدد حتمياً بالتصفية الجماعية ، وهذا بالضبط – في تقديري – ما حدث خلال الأسبوعين الماضيين ، فإمكانية تكرار التجربة المصرية ، ومجرد احتمال ظهور (سيسي) يمني مُخلص على غرار الرئيس عبدالفتاح السيسي ، يمحو هذه الجماعة ويحيلها إلى كُتب التاريخ ، وخصوصاً مع اشتداد وتنامي نجاح حملات الجيش لتطهير جناحها العسكري (الجماعات المسلحة وفق التصنيف الأممي) في المحافظات الجنوبية ، وإعادة تموضع بعضها في محافظة (عمران) شمال العاصمة لفتح جبهة جديدة تخفف الضغط على فلولهم في الجنوب والشرق .
وليس ببعيد عنا ما تعرضت له قناة (اليمن اليوم) من تدمير وتحطيم وإتلاف همجي بربري ، وجامع (الصالح) من تقييد وحصار ، فقد ضرب أولئك من خلال أذنابهم في السلطة عرض الحائط بكل القوانين والأخلاق والأعراف والقيم ، وابتدعت عقولهم المريضة قصة الانقلاب المزعوم لتحقيق مآرب نفوسهم المعتلة لعل ذلك يخفف من روعهم ويعيد إليهم سكينتهم ، ولكن هيهات لهم أن يحصلوا على ذلك ، فكلما كادوا كيداً رده الله إلى نحورهم ، (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) ، (اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) صدق الله العظيم .
يرحب الموقع بآراء الزوار وتعليقاتهم حول هذه المادة تحديداً، دون الخروج عن موضوع المادة، كما نرجو منكم عدم استعمال ألفاظ خارجة عن حدود اللياقة حتي يتم نشر التعليق، وننوه أن التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الموقع.