- يتضاربوا ويرجعوا يسدوا"، هكذا لخص أحد المشاركين بلهجته العامية اللطيفة ما تعلمه عن اليمنيين في محاضرة الدكتور عبدالكريم الإرياني القيّمة حول تاريخ الحوار اليمني، التي وصفها الأخ علي سيف حسن (رئيس منتدى التنمية السياسية المنظمة لفعالية المحاضرة بالتعاون مع مؤسسة بيرجهوف الألمانية

- يتضاربوا ويرجعوا يسدوا"، هكذا لخص أحد المشاركين بلهجته العامية اللطيفة ما تعلمه عن اليمنيين في محاضرة الدكتور عبدالكريم الإرياني القيّمة حول تاريخ الحوار اليمني، التي وصفها الأخ علي سيف حسن (رئيس منتدى التنمية السياسية المنظمة لفعالية المحاضرة بالتعاون مع مؤسسة بيرجهوف الألمانية
الجمعة, 18-يناير-2013
دكتور مصطفى بهران -

تضاربوا ويرجعوا يسدوا"، هكذا لخص أحد المشاركين بلهجته العامية اللطيفة ما تعلمه عن اليمنيين في محاضرة الدكتور عبدالكريم الإرياني القيّمة حول تاريخ الحوار اليمني، التي وصفها الأخ علي سيف حسن (رئيس منتدى التنمية السياسية المنظمة لفعالية المحاضرة بالتعاون مع مؤسسة بيرجهوف الألمانية) بأنها محاضرة دولة وهو على حق في ذلك. استعرض الدكتور الإرياني في محاضرته يوم الأربعاء الماضي تاريخ الحوار اليمني، وقال: "إن التفكير الجمعي والوعي المجتمعي الذي ورثه اليمنيون عبر آلاف السنيين من تاريخهم يتميز بشيئين رئيسيين هما، إرث الدولة الذي يمتد لأكثر من 3 آلاف عام، وإرث الحوار بناءً على قواعد يلجأُ إليها الناس لفض نزاعاتهم"، ومن أطرف ما سرد كان ما حدث في مؤتمر حرض عام 1956، حين قطع طرفا التحاور الملكي والجمهوري أجزاء من الأسلاك الشائكة الفاصلة بين معسكريهما، اللذين أعدهما الوسيطان السعودي والمصري للفصل بين المتحاورين، فإذا بهما يبدءان الحوار بالعناق والسلام الحار بشكل فاجأ الوسيطين تماماً، وهذا يُذكّرنا كيف كان الجنود من طرفي النزاع عند خطوط التماس في صنعاء 2011، يتناولون الإفطار معاً، قبل أن يعود كل منهم إلى مترسه ضد الآخر، وكيف كانت قذائفهم في أغلب الوقت توجه ضد الجدران أو في الفراغ وليس الأفراد، وأطرف ما شاهدت آنذاك كانت مباراة في كرة القدم بين أفراد من الحرس وأفراد من الفرقة.
إذاً: الحوار عادة أصيلة لدى اليمنيين، ولكن السؤال كما طُرح في النقاش هو: ما الذي كان يعيد اليمنيين بعد فترة من كل اتفاق إلى النزاع مرة أخرى؟، والإجابة: هي أن التسويات الحوارية لم تكن عادلة بحسب النقاشات التي طالبت بأن تكون التسوية هذه المرة "تاريخية" عادلة لا يعود بعدها اليمنيون للنزاع أبدا، وقد كان واضحاً من نقاشات المشاركين أن سقف التوقعات لما سيتمخض عن مؤتمر الحوار الوطني القادم عالية جداً، إلى درجة أن هناك من يعتقد أن مؤتمر الحوار الوطني هو المعني ببناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة المنشودة، وهذا السقف يجب أن ينخفض لأن مؤتمر الحوار في ذاته لن يبني الدولة بل سيؤسس لإمكانية البناء اللاحقة، وبالتالي يكون التحدي الأصعب هو ما بعد الحوار، وهل ستتشكل إرادة جمعية يمنية لبناء المستقبل (وهذه بكل تأكيد أصعب من إرادة الحوار).
يجب أن لا نُحمل مؤتمر الحوار القادم ما لايحتمل حتى على افتراض التوقع بأنه سيكون ممثلا للجميع، أو على الأقل لأغلب القوى الفاعلة، ولو حتى بنسب غير عادلة بالضرورة، وبدون إبعاد أو ابتعاد أحد عنه، وعلينا أن نعترف بواقعية أن القوى السياسية الأكثر تمثيلاً في مؤتمر الحوار على أهميتها وقوتها اليوم لم تعد تمثل المستقبل المنشود (باستثناء الشباب المدني الديمقراطي الحر المستقل، الذي خرج طوعا وليس بأمر حزبي أو قبلي أو عسكري أو بأجر)، ولكن ليس بالإمكان أفضل مما هو كائن، وكل ما نتمناه من هذه القوى أن تتوافق: على دستور يحمي الحقوق والحريات العامة في إطار مواطنة متساوية لكل اليمنيين، وعلى شكل الدولة السياسي (برلماني أو رئاسي)، وعلى الشكل الإداري للدولة (دولة بسيطة- وحدوية أو دولة مركّبة - فيدرالية)، ويبقى بعد ذلك التحدي الحقيقي وهو بناء الدولة.
يجب أن نتفاءل، ولكن لا نشطُ بعيدا بهذا التفاؤل، فما زال الوضع صعباً والقوى السياسية تسيرها مصالحها ويسودها العمى في أحيان كثيرة، وأكبر دليل كان طريقة تغطية التلفزيون الرسمي للمناقشات التي دارت في محاضرة الدكتور الإرياني الجميلة، إذ مارس الرقيب المزاجي التلفزيوني مقصه العجيب، فحجب ما قاله عدد ممن شاركوا بفعالية في النقاش، وهذا عمل لا يتفق وإرث الحوار بكل تأكيد.
اللهم أنجح مؤتمر الحوار الوطني القادم، وجنب سياسيينا العمى المقيت، إنك أنت السميع العليم.
د. مصطفى يحيى بهران
أستاذ الفيزياء النووية وميكانيكا الكم

تمت طباعة الخبر في: الثلاثاء, 14-مايو-2024 الساعة: 04:45 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.awraqpress.net/portal/news-466.htm