- تُعد العلاقات الاجتماعية التي تنشأ بين الأفراد نتيجة تفاعل بعضهم مع بعض من أهم ضرورات الحياة. وقد أحدثت التقنيات الحديثة والمتقدمة

- تُعد العلاقات الاجتماعية التي تنشأ بين الأفراد نتيجة تفاعل بعضهم مع بعض من أهم ضرورات الحياة. وقد أحدثت التقنيات الحديثة والمتقدمة
السبت, 12-يناير-2013
د. رشود الخريف -

تُعد العلاقات الاجتماعية التي تنشأ بين الأفراد نتيجة تفاعل بعضهم مع بعض من أهم ضرورات الحياة. وقد أحدثت التقنيات الحديثة والمتقدمة، وخاصة الهواتف الذكية، والإنترنت وما بها من مواقع تواصل مؤثرة وفاعلة مثل تويتر وفيسبوك، تحولاً هائلاً وكبيراً في العلاقات الاجتماعية؛ تغيراً ليس بمقدور أي إنسان في العالم أن يبقى بمنأى عنه. فعلى سبيل المثال، توسعت دائرة الصداقة والعلاقات العاطفية من عشرات الأمتار إلى آلاف الكيلومترات، بل امتدت لتغطي الكرة الأرضية من أقصاها إلى أقصاها.

وعلى الرغم من الإيجابيات التي يصعب حصرها، كتقوية أواصر العلاقات بين مجموعات الاهتمام كمجموعات العمل، والمجموعات العلمية، وجماعة المسجد، والمنظمات التطوعية، هناك تحولات سلبية تتعرض لها العلاقات الاجتماعية والأسرية، لا بد أن يلتفت إليها قبل أن تتفاقم ويكون حلها - فيما بعد - مكلفاً مادياً وعاطفياً. أولاً، على مستوى الأسرة الصغيرة، أصبح أفرادها متقوقعين على أنفسهم رغم وجودهم في صالة واحدة أو على مائدة طعام مشتركة، لأن كلا منهم منشغل بالتواصل مع أصدقائه (أو أصدقائها) خارج الأسرة (داخل حدود الدولة أو حتى خارجها)، مما يحد من التفاعل الأسري الذي لا بد أن ينعكس - سلباً - على قوة الألفة ودفء المشاعر فيما بين الوالدين وأبنائهم من جهة، وبين الإخوة والأخوات فيما بينهم من جهة أخرى. وبناء عليه، فهناك من يتوقع ألا يعرف الجيل الجديد من الشباب طعم العلاقات الاجتماعية والأسرية، نتيجة الاستخدام المفرط للتقنيات، بل ربما يمتد التأثير السلبي إلى قصور في مهاراتهم في التواصل الاجتماعي مع الآخرين وجهاً لوجه.

ثانياً، تحولت اللقاءات والمناسبات الاجتماعية إلى قاعات يسودها الصمت لعدم وجود تفاعل بين الحاضرين، فكثير من الناس حاضر بجسده فقط، أما عقله فهو مشغول بجهاز هاتفه الذكي المتصل بأصدقائه خارج دائرة المكان الجغرافي الذي تعقد فيه المناسبة أو ينظم فيه اللقاء. هذا الأمر حدا بأحد الأصدقاء إلى وضع سلة بالقرب من باب المجلس، يطلب من ضيوفه وضع هواتفهم النقالة الذكية وغير الذكية في هذه السلة إلى وقت انتهاء الجلسة، وقد قُوبل هذا السلوك في البداية بالتذمر من قبل زواره من إخوته وأصدقائه، ولكنهم لم يلبثوا أن تعودوا على هذا الأمر فيما بعد. ولا ألومه في ذلك، فقد تجد نفسك في حفلات الزواج وحيداً لانشغال المدعوين بهواتفهم الذكية، لدرجة أن بعضهم يقوم بتصوير المكان أو المناسبة الاجتماعية التي يحضرها (جسداً فقط) ليرسلها لأصدقائه على الفضاء الافتراضي.

ثالثاً: أصبح التفاعل الجسدي (لغة الجسد) محدوداً .. فالضحكة يعبر عنها بـ LOL بدلاً من سماع قهقهة الضحك الحقيقية، وتعبيرات الوجه تستبدل برموز أخرى غريبة. وهناك تخوّف أن يعيش الناس في عزلة مع أجهزتهم الذكية وحواسيبهم الآلية كبديل عن العلاقات الاجتماعية التقليدية، مما سيفقدهم الألفة مع الاعتماد على تواصل تقني دون محادثات وجهاً لوجه.

أخيراً لا شك أن التقنيات الحديثة وعلى رأسها الإنترنت أدوات مثيرة ومفيدة، ولكن على الرغم من أنها أسهمت في انكماش العالم وقربت البعيد، فإنها تهدد علاقاتنا الأسرية بالتقوقع بعيداً عن بعضنا. أدعو لتهيئة الأسر وأفراد المجتمع للتحولات الحتمية التي تشهدها العلاقات الاجتماعية والأسرية لضمان سلامة الأسرة، والعمل على إرساء قيم جديدة تواكب التغيرات التقنية التي لم نشهد منها سوى بداياتها، ويمكن تحقيق ذلك من خلال إدخال هذه الموضوعات في المناهج التعليمية والمقررات الجامعية وإجراء الدراسات الجادة وبناء قيم جديدة تنهى عن الاستخدام المفرط للهواتف الذكية ونحوها، خاصة في اللقاءات والمناسبات الاجتماعية والأسرية. ينبغي أن نعمل على فهم هذه التغيرات في علاقاتنا الاجتماعية، لكيلا تكون هذه التغيرات وغيرها وما ينتج عنها (مفاجآت) نعالجها في المستقبل!


الاقتصادية:

 

تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 17-مايو-2024 الساعة: 10:04 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.awraqpress.net/portal/news-418.htm