-  اوراق برس ...هل سمعتم بتشارلز فان دورين؟ يجوز إن كنتم شاهدتم الفيلم المسمى «كويز شو»

- اوراق برس ...هل سمعتم بتشارلز فان دورين؟ يجوز إن كنتم شاهدتم الفيلم المسمى «كويز شو»
الإثنين, 25-نوفمبر-2013
ثريا الشهري -

هل سمعتم بتشارلز فان دورين؟ يجوز إن كنتم شاهدتم الفيلم المسمى «كويز شو» -الكويز تعني الفزورة- الذي يحكي عن المتسابق والأستاذ الجامعي الأميركي في خمسينات القرن الماضي، والذي لم يخطئ في إجابة أسئلة برنامج المسابقات وعنوانه «21» على مدار الأسابيع، وفي كل مرة يسحق المتبارين ليربح آلاف الدولارات، ثم يتضح لاحقاً أن القائمين على البرنامج كانوا يمدون تشارلز بالأسئلة ويراجعون معه الأجوبة، فيفتضح أمر البروفيسور سليل الأسرة العريقة أكاديمياً واجتماعياً، ويكشف معه تلاعب المعدين، وكانا اثنين اعترفا بفعلتهما من دون علم محطة البث الوطني الممولة للبرنامج. فضيحة مخزية اكتفى بعدها تشارلز بمساهماته في موسوعة بريتانيكا، وبالكتب التي عكف على تأليفها، أمّا التدريس فلم يعد إليه مطلقاً بقرار من جامعة كولومبيا حيث كان يعمل، ذلك أن ما أقدم عليه لا يغتفر في عرف المجتمع الأميركي وثقافته، فهو لم يكذب على نفسه ويقبض أموالاً لا يستحقها فحسب، وهذه ورطته، ولكنه خدع الناس وكذب عليهم أيضاً، وهي بعينها نكبة رئيسه بيل كلينتون حين أنكر علاقته بالمتدربة مونيكا لوينسكي.



في ذلك الفيلم دار حوار بين المحامي الذي نبش الموضوع وبين تشارلز، فسمعنا بقصة عمّ المحامي الذي اعترف لزوجته بخيانته لها، فلمّا سأل المحامي عمه عن السبب الذي دفعه للكشف الذي سيقوّض زواجه، مع أنه لم يكن مجبراً عليه، رد العم وقال: «لم يكن لي أن أعيش مع الكذبة». وهذا هو اللبّ الذي ضيعناه في كل شيء حتى تسيّدت أساليب «الشطارة» و «الفهلوة»، وعبارات مثل «أكلته بكلامي وصدّقني» و «مشيت عليه»، والطامة أنك ولو لم تكن مقتنعاً بنوعية هذه التنازلات، إنما تجد نفسك ومع الوقت –وبعد أن جاريت الوسط فيها بداية- أصبحت لا تمارسها عندما تقتضيك الحاجة إليها وحسب، ولكنك تلجأ إليها حتى في غياب الداعي، ومستعد للتنظير حولها وتسويغها أيضاً.



في اجتماع للراغبين في الدراسة بالجامعات الأجنبية في مقر إحدى السفارات بالرياض، أشارت المشرفة الأجنبية إلى ضرورة أن يتوسع الطالب أو الطالبة عند تعبئة نموذج القبول الجامعي في ذكر أنشطته الرياضية وهواياته المتنوعة، فكان التعليق البدهي لأبنائنا أن أغلب الممارسات بلا شهادات موثقة، فلم يختلف رد المشرفة عن جواب العم: «من المفروض أنك تقول الصدق، فإن كنت ممن يبني مستقبله على الكذب، فعندها عليك التعايش مع كذبتك». أمّا أبناؤنا فمعظمهم تعامل مع الجواب على أنه مزحة، وسيتفنن في التوسع وسيعيش ويتعايش معه، لأننا ببساطة لم نعلِ من قيمة الصدق وإحياء الضمير في تربيتنا، وذلك الشعب - تحديداً الأميركي - إنما يؤمن بالصدق كقيمة أساسية في معاملاته وعلاقاته، فدعك من سياساتهم المنحازة، وانظر إلى الشعب الذي هو صخرة بنية مجتمعه التحتية، فلا يعيش بينهم المرء ويكذب عليهم ويتأصل كذبه، فلا هي مرة أو اثنتان. ثم يكتشف أمره وينجو بفعلته كما هي الحال في مجتمعاتنا، وقد ارتكز دفاع مُعدّي البرنامج على أنهما في مجال للتسلية وليسا في ميدان حكومي أو شيء من قبيله، فكذبتهما كانت بهدف الإثارة ومتابعة الجماهير للعرض، ومع ذلك نالا عقابهما، وعليه يكون السؤال: فماذا إن لم يكن «كذّابنا» في ميدان للتسلية؟ وطاولتنا الأذية والخسارة نتيجة كذبه؟



زارنا المطر فكم كذبة عشناها وعرّاها ضيفنا وأصحابها الكذّابون؟ فضيعنا الغشاشين من كثرتهم وقد تكالبت علينا الخدع والحيل؟ فلمَ انهارت الكباري والجسور برأيكم؟ ووقعت أسقف المطارات؟ ورشحت الأنفاق وسُدت بالسيول؟ حتى البيوت لم تسلم من الضرر! وهي أمطار يومين، بينما جسور أوروبا وطرقاتها وأنفاقها وقصورها ومعالمها من مئات السنين لا تزال صامدة وفعّالة ولم تتعرض للانهيار أو يصبها العطل، وجاهزة للتصوير عندها. فلم ذاك؟ ولم مقاولونا يعيشون ويموتون مع كذبهم ولا يؤرِّقهم مالهم الحرام ولا شغلهم الحرام؟ ولم مشاريعنا لا يمضي عليها الحول حتى «تخرخر» فوق رؤوسنا ولا يتأسف منّا أحد؟ ولم ثقافتنا في تحمّل المسؤولية أن نرميها على غيرنا وكأن مهمة ضميرنا تكمن في التخلص منها؟ ولماذا نحن كذّابون أصلاً؟ أيكون حين نخفق في ملاءمة الحقيقة مع التصور، فمن السهل التضحية بالحقيقة في سبيل الإبقاء على التصور! ففلان معروف بصدقه، فإذا فاحت رائحة كذبه تمسّكنا برصيده الزائف على أن نشهِّر بحقيقته، وقد يكون لأننا محرجون من استغفاله لنا وخروجنا بمنظر أحمق، وهذا على أحسن تبرير طبعاً، لأن الاحتمال الآخر أن نكون مثله كذّابين ومقنّعين في مجتمع تعوّد على الكذب فلم يعد يفرقه عن الصدق، فصادقونا لا يندمجون ويعلون من قيمة فضيلتهم حتى يغترّوا بها من ندرتها في محيطهم، فيتصدّر الكذاب ويتراجع الصادق، وننتهي بالكذّابين يتولون الأموال والأعمال، ويُسرق المال وتسوء حال الأعمال، ويأتي المطر ليصدر حكمه على الاثنين، فهل يسجن الكذّابون؟ تساؤل ساذج، ولكن طرحه ليس كذلك، كما أن السجن لا يكون مادياً دائماً.



suraya@alhayat.com





تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 17-مايو-2024 الساعة: 01:05 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.awraqpress.net/portal/news-3626.htm