الثلاثاء, 30-نوفمبر-2021



بدأ عملية إنعاش ميناء الحديدة ليكون مستقبلاً 88% من واردات اليمن من الخارج بدلا عن عدن


الأوراق/ الثورة/ صنعاء

مع أن البند السابع الذي يفتح أبواب المعارك العسكرية على شعب من شعوب العالم، يحاصر الدولة أو البلد المستهدف من وارد السلاح وصفقاتها المعلنة وغير المعلنة، ولم يسبق له أن طال المصالح المدنية ومنافذ الحركة التجارية والسفر المدني.. إنه في اليمن سمح بذلك؛ كون صاحب قرار الحرب والحصار هي أمريكا التي لا هدف لها سوى الهيمنة السياسية والاقتصادية على موارد اليمن وثرواته النفطية وموقعه الاستراتيجي المطل على أهم مضايق الملاحة العالمية.

وتبعًا لذلك، ومنذ صبيحة السادس والعشرين من مارس 2015م، أضحت جميع المنافذ البرية والجوية والبحرية المؤدية إلى اليمن مغلقة رغم كونها مدنية وإنسانية، فقد أصبحت هدفًا أساسيًّا للطيران العسكري لتحالف العدوان السعودي الأمريكي، ومن ورائهم إسرائيل، وهدفًا للحصار خارج قرار مجلس الأمن 2216.. فلماذا تم استهداف المنافذ وإغلاقها وتدمير مقوماتها..؟ ولماذا تم التركيز على ميناء الحديدة ومطار صنعاء عن غيرهما ؟.. إلى تفاصيل الإجابات عن تلك التساؤلات، ومن واقع مجريات الأحداث، ومن صفحات التقارير الدولية..

رغم الشلل الذي أصاب ميناء الحديدة منذ الضربة الأولى صبيحة 26 مارس 2015م إلاَّ أنه ظل صامدًا رغم القصف، لكن هذا لا يعني استمراره في شحن السفن بالصادرات اليمنية، فقد أقر تحالف العدوان السعودي الأمريكي إيقاف جميع الصادرات اليمنية، وقالت إدارة التخطيط في موانئ الحديدة: إن الصادرات اليمنية توقفت بشكل كامل منذ بداية الحرب، مؤكدًا أن صادرات اليمن عبر ميناء الحديدة، تقترب من 400 ألف طن سنويًّا، وتشمل الأسماك والتونة المعلبة والألبان والعطور ونخالة القمح، بما في ذلك صادرات القطاع الخاص، حيث أكد – في بيان صادر عن الغرف التجارية اليمنية – أن خسائر القطاع الخاص وحدها تبلغ 3 مليارات دولار.

حرج عالمي

كان دخول الحصار واستهداف الموانئ والمنافذ والمطارات التي تصنف جميعها بالمدنية، وليس لها أيّ صلة بالأهداف العسكرية المعلنة صبيحة 26 مارس 2015م، بمثابة أول انكشاف محرِج أمام العالم للأمم المتحدة التي وقعت هي الأخرى في فخ التحالف وزيف شعاراته، وتفاديًا لهجمات الأطر القانونية والحقوقية الدولية، وإدانتهم للعجز الأممي أمام ممارسات التحالف عبر خنق الشعب اليمني باستهداف الموانئ اليمنية، وعلى رأسها ميناء الحديدة الذي يستقبل قرابة 80 % من احتياجات سكان اليمن، خارج نصوص القرار 2216، أنشأت الأمم المتحدة آلية للتحقق والتفتيش عام 2016 لتفتيش وإصدار تصاريح للسفن المتجهة نحو ميناء الحديدة، وفق عملية فحص بسيطة تستمر أيامًا قليلة فقط، لكنها تجلت بأنها معقدة تستغرق أسابيع، وحتى إن حصلت السفن على التصاريح فمسألة الوصول إلى الميناء مرتبطة بقرار التحالف السعودي الإماراتي، ومع ذلك توالت إجراءات تحالف العدوان التعسفية على السفن، وفق مسار تصعيدي واضح، ففي 2017م على سبيل المثال أورد تقرير هيومن رايتس جملة من الحقائق التي تدين التحالف السعودي الأمريكي بالتعنت الواضح والعرقلة المتعمدة لمسار ناقلات الوقود.

وشكا “برنامج الغذاء العالمي” علنًا بأن تعقيدات التفتيش باتت مقلقة لإيصال الشحنات إلى موانئ الحديدة، وأن متوسط ​​وقت الانتظار لناقلات الوقود في موانئ البحر الأحمر كان 8 أيام، اعتبارًا من 15 يوليو2017، ولكنه ارتفع إلى 14 يومًا بحلول 20 أغسطس من نفس العام، ونقلت هيومن رايتس ووتش عن ممثلي شركات شحن بحرية بأن السلطات السعودية احتجزت إحدى ناقلات الوقود التابعة للشركة لأكثر من 5 أشهر بعد تحويلها من رأس عيسى، وإخضاعها للتفتيش، ومنحت الإذن بعد تأكد التحالف بعدم وجود أسلحة فيها، لكن رغم ذلك حُوِّل مسار السفينة إلى موانئ جدة، وبقيت من مطلع إبريل إلى 25 أغسطس 2017م، وذكرت الأمم المتحدة أن ناقلة تحمل 11485 طنًّا من الوقود النفطي “من المتوقع” وصولها إلى الحديدة في 10 يونيو 2017م، بقيت في منطقة التحالف 49 يومًا، من 11 يونيو حتى 29 يوليو..

هذا التأخير أوقع المستورد أمام مأزق الغرامات، أراد مالكو السفينة منه أن يدفع هذه النفقات كاملة ثم يسمحون له بتحريك السفينة المحتجزة إلى ميناء الحديدة، خضع المستورد للطلب كي لا يفقد البضاعة أو تنتهي صلاحية بعضها في البحر، فدفع جميع النفقات الإضافية. وصلت السفينة إلى الميناء، ولكن بعد ذلك قدم المستورد أمر محكمة بإيداع السفينة في الميناء حتى يدفع أصحابها أمواله.


كلفة يتحملها اليمنيون

ما ذُكر سابقًا هو مثال من مسلسل العراقيل والاحتجازات التعسفية التي طالت سفن الوقود والغذاء في البحر من قِبل تحالف العدوان الأمريكي البريطاني عبر أدواته في الخليج وأدوات الأدوات المتمثلة بحكومة المرتزقة، لكن الأكثر فداحة هو أن عراقيل تأخير السفن معضلة متعمدة يترتب عليها غرامات يومية بواقع 20 ألف دولار على يوم، وبقياس مدة الحجز تتضاعف كلفة شحنة السفينة إلى حدود قياسية، وفق تقارير أممية أكدت أن تكاليف الشحن المتزايدة تنتقل في نهاية المطاف إلى المستهلكين في اليمن، حيث يعيش ما يقرب من 40 % من السكان على أقل من دولارين في اليوم حتى قبل الحرب والحصار، وهو ما اعتبره مراقبون وحقوقيون استهدافًا واضحًا لاستقرار البلد التمويني ومضاعفة معاناة اليمنيين، إلى حدود خلق المجاعة والفوضى، لكن كل المخططات تحطمت على صمود اليمنيين.

هذا الصمود دفع بتحالف العدوان في مسار تصعيدي على الواردات وخنق ميناء الحديدة، حيث رفض التحالف في نوفمبر 2017م السماح لجميع السفن التجارية للوصول إلى ميناء الحديدة وغيرها من الموانئ التابعة لحكومة الإنقاذ الوطني - صنعاء، مفصحًا عن إصداره قرارًا جديدًا من شأنه إجبار الشحنات التجارية لتحويل مسارها إلى موانئ عدن والبحر العربي، ورضخت بعض الشحنات التجارية لهذا القرار؛ هربًا من كلفة التأخير في الحجز، لكن مالكيها فوجئوا بالتأخير في تلك الموانئ وتعرضهم للابتزاز والتعسفات من قِبل حكومة المرتزقة، وأثارت الوكالات الإنسانية مرارًا مخاوف بشأن تحويل التحالف لجميع الواردات إلى عدن التي تسيطر عليها الحكومة.. يتطلب نقل البضائع شمالاً من عدن عبور خطوط القتال، ويزيد طول الطريق ووقت السفر مدة تُقارب 3 أسابيع، كما يرفع التكلفة من 30 إلى 70 دولارًا للطن، فتصبح البضائع أكثر كلفة على اليمنيين وفقًا للأمم المتحدة، فكان الأفضل للشحنات البقاء في الاحتجاز أفضل من المصير المجهول.

هذه المآلات الخاسرة لمحاولات التحالف والمرتزقة تعطيل ميناء الحديدة، دفعتهم إلى مواصلة الاستهداف العسكري الميداني باتجاه ميناء الحديدة، ففي 12 يونيو 2018م صعّد التحالف الأمريكي السعودي هجومه على الحديدة بغرض السيطرة على الميناء، لكنه فشل في إحراز تقدُّم يذكر، فعاد من جديد لاحتجاز السفن لفترات أطول، ورغم دخول اتفاق السويد الموقّع في ديسمبر 2018م، والذي نص على السماح بوصول المشتقات، واستخدام إيرادات ميناء الحديدة في تسديد رواتب الموظفين، ونفذت صنعاء ما يتعلق بها من بنود موصولة بميناء الحديدة.. إلا أن العامين 2019 و2020، وحتى العام الجاري، شهدت أكبر مسلسل لاحتجاز سفن المشتقات والغذاء في البحر، ولفترات طويلة بلغ أقصاها قرابة عام كامل.


جميع المنافذ والموانئ والمطارات

لم يكن ميناء الحديدة وحده هو من تعرّض لمسلسلات الاستهداف العدواني السعودي الأمريكي، بل تعرضت كل المنافذ والموانئ والمطارات لجميع أنواع الاستهداف من القصف المباشر إلى التدمير الكلي والجزئي إلى الحظر الدائم، ورغم شراسة الحرب وخروجها من العسكرية والسياسية إلى الاقتصادية البحتة، إلا أن الحصار الاقتصادي وتشديده وتصعيده لا صلة له بقرار مجلس الأمن 2216، بل هو عدوان سعودي أمريكي على اليمن وعلى الأمم المتحدة نفسها التي تتعرض للابتزاز بشكل دائم، ولا خروج لها عن طاعة واشنطن ودويلات النفط والمال، فبالعودة إلى البند السابع المذكور آنفًا، تجدر الإشارة إلى أن الإدارة الأمريكية وجدت لها أدوات مطيعة في الخليج، بل تتقاضى واشنطن المليارات من الدولارات من خزائن تلك الدويلات المالية نظير قبول البيت البيض بها كعميلة وأدوات، وبناء على معطيات الحرب العسكرية التي مولتها في اليمن عبر عقود من الزمن، والتي شنتها على اليمن صبيحة 26 مارس 2015م على أمل إنهاء تلك العمليات البربرية على كل المصالح، وحسم “معركة النزهة” في ثلاثة أسابيع إنْ طالت، فقد رأت الإدارة الأمريكية بعد فشل المهمة في الشهر الأول من الحرب، أن تلجأ إلى الحصار الاقتصادي خصوصًا مع احتدام أزمة المحروقات والغذاء والتحذيرات الدولية من تبعاتها على الشعب اليمني، وقد بدت لها ظروف اليمن الصعبة المقرون بالخوف والرهبة من جعل التحالف للموانئ والمطارات والمنافذ البرية أهدافًا عسكرية، بل وتدمير مقومات تلك المنافذ، وعلى سبيل المثال لا الحصر، منفذ حرض/ الطوال الذي دُمِّر وأُغلق تمامًا في 23 مايو 2015م لِما له من دور اقتصادي وإيرادي كبير لخزينة الدولة، كما يُشكل 85 % من حركة السفر والتجارة والصادرات اليمنية إلى دول الخليج، خصوصًا السعودية، ناهيك عن كون المنفذ يُشكل معبرًا لـ80 % من صادرات اليمن الزراعية، ومنه تعبر بشكل يومي أكثر من 30 قاطرة عملاقة من الصادرات السمكية، ناهيك عمّا يمثله المنفذ من مركز تجمع حضري للمناطق من حوله، وبيئة عمل تستقطب عشرات الآلاف من اليمنيين..

أما مطار صنعاء الذي يطوي عامه الخامس تحت الحصار المطْبق والإغلاق الذي أُعلن في 9 أغسطس 2016م، فقد تم استهدافه من قِبل تحالف العدوان والحصار من منطلق استراتيجيته فهو يخدم 80 % من سكان اليمن، ما جعل إيقافه يتسبب بكارثة إنسانية إذ أودى بحياة أكثر من 95 ألف مريض كان يمكن تفادي وفاتهم بالسفر للعلاج في الخارج، وفق وزارة النقل في حكومة الإنقاذ التي أكدت أن أكثر من 480 ألف مريضٍ بحاجةٍ مُلحَّة إلى السفر بصورة لا تقبل التأجيل، يموت منهم أكثر من 30 حالة مرضيَّة يوميًّا، وأن أكثرَ من 71 ألف مريض بالأورام السرطانية مهددون بالموت المؤكد، وأكثر من ثمانية آلاف مريض بالفشل الكلوي بحاجة إلى عمليات زراعة الكلى لإنقاذ حياتهم، وأكثر من مليون مريضٍ مهددون بالموت نتيجة انعدام أدوية الأمراض المستعصية والمزْمِنة، وانعدام المحاليل والمستلزمات الطبية التي تُنقل عبْر الجو.

إغلاق مطار صنعاء الدولي من قِبل تحالف العدوان كبّد الاقتصاد اليمني خسائر وأضرارًا كبيرة في البنية التحتية لمنشآت وتجهيزات هيئة الطيران المدني والأرصاد اليمنية، ومطاراتها وفروعها، تُقدر بمليار و700 مليون دولار، ناهيك عن خسائرها المرتبطة بشركتي الخطوط الجوية اليمنية وطيران السعيدة، والتي بلغت أكثر من مليار و636 مليون دولار، فيما بلغت الخسائر في قطاعات السفريات والشحن الجوي وأنظمة الحجز الآلي ومقدمي حقوق الامتياز 657 مليون دولار، وهذه الأرقام لا تتصل بالخسائر التي تكبدتها شركات السياحة والتجارة والاستثمارات وميزان المدفوعات وحركة رؤوس الأموال، والتي تُمثل نسبة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي.

وأكدت وزارة النقل أن إغلاق مطار صنعاء للعام الخامس على التوالي حرَم أكثر من أربعة ملايين مغترب يمني موزعين في أنحاء المعمورة من العودة إلى الوطن لزيارة ذويهم، ناهيك عن فقدان آلاف الطلاب مِنحَهم الدراسية بسبب عدم تمكنهم من السفر، وعطلت مصالح الكثير من رجال الأعمال، وفشل مشاريعهم، إما في الخارج، وهم داخل اليمن المحاصر، أو في الداخل جراء تداعيات الحرب والحصار على بيئة الأعمال اليمنية.


الأثر المحتمل

علق التحالف أمله من خنق الموانئ والمطارات والمنافذ البرية على إيقاف تدفق السلع الضرورية وقطع الإيرادات التي ترفد خزينة الدولة بالمليارات، خصوصًا وبيانات الجهاز المركزي للإحصاء تفيد أن صادرات اليمن عبر المنافذ الجمركية والمطارات والموانئ تشمل منتجات زراعية وبحرية ونفطًا وغازًا، وتبلغ قيمة صادرات اليمن الزراعية نحو 5 مليارات ريال (حوالى 3 ملايين دولار) سنويًّا، حيث يصدّر اليمن المنتجات والمحاصيل الزراعية، مثل العنب والخوخ والذرة والشعير والعدس والزبيب والبن اليمني. وتعتبر السعودية سوقًا رئيسية لمنتجات اليمن الزراعية، وبلغت قيمة الصادرات السمكية 289 مليون دولار، وبلغت عائدات اليمن من صادرات النفط، الذي توقّف منذ بدء العدوان واستهداف ميناء الصليف ورأس عيسى، مليارًا و455 مليون دولار، كما أوقف تحالف العدوان صادرات اليمن من الغاز المسال، والتي تبلغ قيمتها 500 مليون دولار سنويًّا. ويصدّر اليمن الغاز إلى أسواق آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، وفقًا لإحصاءات رسمية قبل بدء العدوان والحصار.

 

تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 29-مارس-2024 الساعة: 04:40 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.awraqpress.net/portal/news-25153.htm