الثلاثاء, 30-نوفمبر-2021

الأمم المتحدة تُدوّر فشلها على مدى عقد بتعيين مبعوث رابع إلى اليمن

مبعوثو أمين عام الأمم المتحدة يتوارثون تركات الفشل في اليمن واحدًا تلو الآخر الثورة / عبد الملك الشرعبي/ افتكار أحمد


بعد فشل مبعوثيها السابقين في الملف اليمني، ووضع حدّ للعدوان الظالم على اليمن والحصار الذي يرافقه على مدى أكثر من ست سنوات على التوالي ، عينت الأمم المتحدة - مؤخرًا - مبعوثها الرابع إلى اليمن (السويدي جروندبرج)، في محاولة لا تبدو جدية لإحداث انفراجة حقيقية في الملف اليمني المتعثر، وصولاً إلى تحقيق السلام المشرّف لليمنيين، مما يعكس مدى الفشل الذريع للأمم المتحدة في اليمن، ويؤكد في الوقت نفسه أنّ الأمم المتحدة لا تمتلك قرارها، وأنها أداة بيد الولايات المتحدة تحركها كيفما تشاء.

وسيظل مبعوثو الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن يتوارثون تركات خيبة الأمل في وقف العدوان وتحقيق السلام، طالما ظلت الأمم المتحدة مرهونة بيد الولايات المتحدة وتحالف العدوان السعودي الأمريكي .

ولعل رئيس الوفد الوطني محمد عبدالسلام كان حصيفًا في تعليقه على تعيين جروندبرج إلى اليمن، بقوله: «لا جدوى من إجراء محادثات مع المبعوث الأممي الجديد قبل فتح المطارات والموانئ كأولوية وحاجة وضرورة إنسانية».

وفي اتصال مع وكالة رويترز، قال عبدالسلام: «لا نرى أيّ جدوى من ذلك، فالمبعوث ليس بيده شيء حتى نلتقيه».

كلام رئيس الوفد الوطني لم يأتِ من فراغ، وإنما جاء نتاجًا للفشل الذي تحصده الأمم المتحدة، ليس منذ بداية العدوان على اليمن، وإنما قبل ذلك منذ تعيين جمال بنعمر مبعوثًا أمميًّا في 2011م إبان الثورة الشبابية، الذي استمر إلى ما بعد العدوان، تلاه مبعوثان آخران لم يحققا شيئًا على طريق تحقيق السلام في اليمن.

ومع تولي المبعوث الجديد للأمين العام للأمم المتحدة مهمته رسميًّا في اليمن ، والذي رحبت به حكومة الإنقاذ الوطني، وأعربت عن أملها في أن يتمكن من كسر حاجز الجليد الذي ورثه عن سابقيه.

لكن تشابه مسيرات المبعوثين الثلاثة، الذين توالوا على مهمة تحقيق السلام المفقود في البلاد التي مزقتها حرب ظالمة لا يزال يشنها العدوان عليها على مدى سبع سنوات، يولّد لدى المواطنين - بحسب المراقبين - إحباطًا يتجدد مع تعيين كل مبعوث جديد.

ويتساءل اليمنيون: ما الذي يمكن أن يحمله المبعوث الأممي الجديد في جعبته من جديد لحلحلة المياه الراكدة بعد سبع سنوات عجاف لم تجُر سوى الفشل تلو الفشل للأمم المتحدة المرتهنة لدول تحالف العدوان، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، وفق المراقبين، الذين لا ينظرون إلى المبعوث السويدي كمبعوث جديد في الواقع على الملف اليمني، فهو سفير للاتحاد الأوروبي في البلاد حتى وقت تعيينه.

وسبق أن قدّم جروندبرج، في مايو الماضي، رؤيته للحل في اليمن، في مقال أكد فيه أنه يمكن للحرب في اليمن أن تنتهي، ويمكن إعادة بناء اليمن ليسوده السلام والازدهار، لكنه اشترط وجود إرادة سياسية لدى جميع الأطراف المعنية، مشيرًا إلى وجود مقاربة أوروبية للسلام تقوم على توفر إرادة سياسية قوية وشجاعة.

ويرى المراقبون أن هذا التفاؤل الذي عبر عنه المبعوث الجديد قبل تعيينه، يقابله إحباط كبير في الشارع اليمني بحكم تجارب المبعوثين الأمميين السابقين، ويعتبرون أن الفشل، كأصل عام، هو ما ينتظر مهمة المبعوث الدبلوماسي السويدي.

ولا شك أن الملف الإنساني في اليمن هو المحرك الأول لدعوات وقف الحرب، كما أن مساحات الرفض الشعبي لاستمرار الحرب أخذت تتسع، وهي - وفق المراقبين - واحدة من نقاط القوة التي يتعين على المبعوث الجديد استثمارها إذا وُجدت نية حقيقية لدى الأمم المتحدة ولدى تحالف العدوان، وجميع الأطراف اليمنية.

ويأتي تعيين جروندبرج، خلفًا للبريطاني مارتن غريفيث، الذي غادر اليمن، كسابقيه دون تحقيق المهمة التي جاء من أجلها، سواء على المستوى الإنساني أو السياسي أو العسكري.

ملفات شائكة وصعبة تنتظر الدبلوماسي السويدي، الذي لم يسجل أي حضور لافت في الملف اليمني خلال توليه منصب سفير الاتحاد الأوروبي في اليمن لثلاث سنوات، وهو المنصب الذي يُعد الأكبر خلال عمله الدبلوماسي في الخارجية السويدية.

ويتكئ المبعوث الجديد على دعم واهتمام متناميَين من بلاده بالملف اليمني، وهو ما يكشف عنه ترشيح «استوكهولم» مبعوثًا خاصًّا إلى اليمن، وهو السفير بيتر سيمنبي، الذي قام - في وقت سابق - بجولة إلى صنعاء ومارب، في إطار جهود بلاده الدبلوماسية، التي تكللت بما عُرف باتفاق «استوكهولم».

وترتكز الرؤية السويدية للملف اليمني على إطلاق عملية سياسية واسعة شاملة، تبدأ بوقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، كأهم خطوة لتخفيف المُعاناة الإنسانية يعقبها مفاوضات سياسية جادة تفضي إلى تحقيق السلام.

ولكن لا يتوقع الكثيرون أي تغييرات قد تحدث في الواقع بتعيين المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن، في ظل المحاولات الأممية الميتة لإنهاء الحرب في اليمن؛ ما يعني استمرارًا في نفس النهج، والمضي في نفس الطريق التي لا نهاية لها.

وفي المقابل اعتبر ناشطون أن تعيين مبعوث ينتمي للاتحاد الأوروبي بمنزلة تسليم الملف اليمني للاتحاد الأوروبي، ما يعني استمرار النهج الرومانسي في التعامل مع الملف اليمني خلال المرحلة القادمة، وليس في طريق إنهاء الحرب».

ويرون في هذا التعدد العالمي للمبعوثين إلى اليمن أنهم لم يتمكنوا من إنجاز أيٍ من الأهداف والمهام التي أُرسلوا من أجلها، وهو فشل تجني ثماره الأمم المتحدة ليس في اليمن فحسب، وإنما هو فشل في حل مختلف قضايا النزاعات والحروب في العالم، وما الملفان السوري والليبي عنا ببعيد.

ويتساءل المراقبون واللمحللون والناشطون، وعامة الناس كذلك: لماذا ترسل الأمم المتحدة مبعوثيها وقد تأكد لها فشلهم، الواحد تلو الآخر؟ هل الهدف من إرسالهم إظهار الاهتمام بقضايا العالم، أو أن العملية مجرد إسقاط واجب، لا أكثر؟! ومن يتحكم بقراراتها؟

ولعل واحدة من مشكلات المبعوثين الأمميين تكمن - وفق المراقبين والمحللين - في ميلهم الدائم إلى الغموض والتكتُّم وعدم المصارحة بالحقائق التي توصلوا إليها في كل المهام الموكلة إليهم.

وهنا نورد إيجازًا للمبعوثين الأمميين السابقين، وكيف كان أداؤهم، وماذا حققوا لليمنيين:

مارتن جريفيث

تولى البريطاني مارتن جريفيث مهمته كمبعوث أممي إلى اليمن في فبراير 2018م، كأول مبعوث غربي، وتم اختياره استنادًا إلى خبراته في مجال حل النزاعات والتفاوض والشؤون الإنسانية.

وبعد تعيين جريفيث، تجددت الآمال مرّة أخرى لدى اليمنيين، حول إمكانية وضع حدّ للحرب في البلاد، إذ استهل عمله بعقد عدد من اللقاءات مع مختلف الأطراف والأحزاب السياسية اليمنية، ورأى أن مهمته الأساسية تتعلق بسماع وجهات النظر المختلفة، لتكوين رؤية واضحة يتمكن من خلالها من تحقيق السلام.

وفي منتصف أبريل 2018م، جدد جريفيث، أمام مجلس الأمن الدولي، عزمه على تقديم إطار عمل أمام المجلس لإجراء مفاوضات خلال شهرين، بهدف إنهاء الحرب.

في 13 ديسمبر 2018م، قاد جريفيث مشاورات ‹ستوكهولم› في السويد بين الوفد الوطني ووفد حكومة المرتزقة، بحضور الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، حيث عقدت محادثات تمخّضت عن اتفاق لوقف كامل لإطلاق النار، وانسحاب عسكري لكافة الأطراف من محافظة الحديدة، وأن تبقى الحديدة ممرًّا آمنًا للمساعدات الإنسانية، وإزالة أي عوائق أو عقبات تحول دون ذلك.

لكن تعنت الطرف الآخر المتمثل بمرتزقة الرياض حال دون تنفيذ كافة البنود المتعلقة بالاتفاق، فيما نفذت صنعاء البنود الخاصة بها من طرف واحد، وهو ما أشاد به حينها جريفيث نفسه.

واستمر المبعوث الأممي جريفيث في مهمته، لكن فشله كان يزداد يومًا بعد يوم، وأثارت مواقفه المنحازة - مؤخرًا - لتحالف العدوان غضب الشارع اليمني، واعتبرته صنعاء مبعوثًا منحازًا، وغير مرغوب به.

مع انتهاء مهمة المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن جريفيث، نهاية يونيو الماضي، قال جريفيث في إحاطته الأخيرة، أمام مجلس الأمن الدولي: «تضاعفت وتشرذمت الأطراف السياسية والمسلحة، كما ازداد التدخل الأجنبي في اليمن، ما كان ممكنًا في ما يتعلق بحل النزاع في السنوات الماضية لم يعد ممكنًا اليوم، وما هو ممكن اليوم قد لا يكون ممكنًا في المستقبل»، وهو ما عكس فشله الذريع في المهمة التي كُلف بها.


إسماعيل ولد الشيخ أحمد

بعد طلب بنعمر إعفاءه من مهمته على إثر تدخل تحالف العدوان في اليمن، اختارت الأمم المتحدة الدبلوماسي الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، ليكون خلفًا لجمال بنعمر، وتقلّد منصبه كمبعوث منذ 25 أبريل 2015 حتى 16 فبراير 2018م.

انتهج ولد الشيخ نهج سلفه، في ملف اليمن، وحرص خلال جولات المفاوضات الثلاث بين الأطراف اليمنية، التي عُقدت في كل من الكويت وسويسرا، على حل الأزمة لإنهاء الحرب، لكنها لم تنجح في صناعة السلام؛ نتيجة تعنُّت تحالف العدوان ومرتزقته.

وكان ولد الشيخ في الأيام الأولى لمشاورات السلام اليمنية في الكويت، قال: «لن نعود إلا بالسلام والأمن إلى اليمن»، لكن بعد تعثرها تحوّلت إلى شاهد على فشل الأمم المتحدة، وعلى فشل الحوارات التي ترعاها للوصول إلى حلول تُعيد السلام لليمنيين.

ظل ولد الشيخ يحاول، خلال فترته، حلحلة الأزمة اليمنية، والوصول إلى حل سياسي سلمي، لكن جميع جهوده باءت بالفشل بسبب تعنُّت حكومة المرتزقة، واتهامه بالانحياز لـ (الحوثيين)، والحقيقة وفق الشواهد أن ولد الشيخ انحاز بعد ذلك لأجندات تحالف العدوان، من خلال مواقفه المنحازة له بكل وضوح، وتزايدت المطالبات بتغييره.


جمال بنعمر

عُيِّن الدبلوماسي المغربي جمال بنعمر مبعوثًا للأمم المتحدة إلى اليمن في أبريل 2011م، واستمر في مهمته حتى أبريل 2015م، وقاد الوساطة بين أطراف النزاع في البلاد عام 2011م، ومن ثم المفاوضات للخروج باتفاق تقاسم للسلطة في 2015م.

وتخللت فترته عدد من القرارات الأممية التي خصت اليمن، بينها قرار وضع اليمن تحت ‹البند السابع›، في فبراير من عام 2014م، وفرض عقوبات على من أسمتهم بعض معرقلي العملية السياسية في اليمن.

عمل بنعمر على تدوير الأزمة اليمنية، وإدخال اليمن في ‹البند السابع›، والتهيئة للحرب والتدخّل الخارجي، وانتهت مهمته فور انطلاق الحرب التي قادها تحالف العدوان، حيث طلب إعفاءه من مهمته إثر تدخل تحالف العدوان في اليمن ليحل بديلاً عنه الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد كمبعوث أممي تم تعيينه في 25 أبريل 2015م.


 

تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 29-مارس-2024 الساعة: 04:43 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.awraqpress.net/portal/news-25152.htm