- صوتُ العقل..!

- صوتُ العقل..!
الجمعة, 23-يناير-2015
بقلم / عبدالكريم المدي -

 الناس غالباً لا يقدّرون ولا يعرفون ما الذي يضيع عليهم وما قيمته، وما هي انعكاساته على حياتهم ومستقبل أبنائهم.

ظواهر الواقع ومعطياته تؤكد إننا لم نُدرك بعد حقيقة ما يضيع علينا من أشياء ثمينة يصعب علينا استعادتها حينما نفيقُ من سباتنا وغيبوبتنا التي نعيشها رغم هذه الكثرة الهائلة من الأوجاع والتنبيهات بخطورة ما يجري وخسارة ما يتسرب من بين أصابعنا ونحن نسمح له بالتدفُّق والجريان بكل خشوع وتسليم.

الأمن يضيع من بين أيدينا، ووحدتنا تضيع من بين أيدينا، دولتنا تضيع من بين أيدينا، أحلامنا تتلاشى، تعايشنا يتبدّد.

أرواحنا صارت سارية مشتتة في هذه الأسفار الطويلة التي لا عنوان لها ولا خارطة، لا سبيل ولا غاية.

نعترفُ: لن ننجح بهذه الطريقة، ومستقبلنا لن يبدأ أيضاً، قبل أن نستعيد قدرتنا على الشراكة والتعاون والتعايش والتسامح ،واستقرارنا لن يبدأ - أيضاً - ونحن نلغي بعضنا وننتقم من بعضنا، معتمدين على العنف والإقصاء وإشعال الحروب ورفض التواصل والإصغاء ،غير مستعدين لمحاصرة الكراهية والجشع بالحوار والضوابط التي يمكن أن تُخرجها من وحشيتها المفرطة التي تغتال حياتنا ومحبتنا وتطلعاتنا.

لاحظوا تسلسل الأحداث كيف يمرّ من أمامنا،

كل هذا - بالطّبع - بسبب غياب صوت العقل، بسبب غياب الحوار الهادف المعبر عن العقل الواعي، الحر، الذي يمكن من خلاله مناقشة الخلافات ومقاربة المواضيع وحل المشكلات العالقة.

إن الذي نعيشه، ونبدو سعداء وراضين به، هو الخواء، والمراوحة بين السلام والحرب، الأمل واليأس، الثبات والنفي، اليقين والشك، محافظات تغلق مجالاتها الجوية وموانئها ومنافذها، ومحافظات تعيش مسيرات وتنديدات واعتصامات ومحافظات ومدن تعيش حالة حروب، وأخرى تخوّف وترقُّب، وهناك من يستفيد من كل هذا الفراغ، كالإرهاب والفوضى والفساد وأعداء الوحدة والاستقرار والتعايش.

علينا أن ننظر لواقعنا بنظرة حاسمة، بشيء من المنطقية والوضوح والشفافية والحرص والربط بين الأشياء بما يسهم في حلّها وليس تعقيدها.

نريد حلولاً حقيقية ومقبولة، نريد مبادرات مسنودة جماهيرياً وشعبياً، لم يعد أمامنا الكثير من الفرص سيما وهناك ممارسات وسلوكيات وأحداث متسارعة تظهر ضدنا، ضد ثقافتنا ودولتنا، ضد أنفسنا وتعددنا وتنوّعنا الجميل.

لقد أغرقتنا الاستقطابات، أغرقتنا السياسة في تفاصيلها المملة ولم نستفد منها شيئاً، أو نفهم شيئاً، لم نمارس السياسة والتعددية الحزبية بذكاء وانفتاح ومعرفة علمية مواكبة لقيم عصرية، يا بني يمني، لا نريد أن نكون نسخة أخرى لصومال جديد، صحيح نحن نمتلك تقاليد دولة لآلاف السنين، لكن هذا لا يعصمنا من الغرق في بحور الفوضى وتفجيرات وأحزمة الإرهاب والطائفية والمناطقية.

لهذا نحن بحاجة ماسة للحوار والتفاهم والقبول ببعضنا والاتفاق على تطوير وإيجاد آليات أخرى للحكم تعمل على خلق مؤسسات ودساتير من شأنها أن تتيح مشاركة كل القوى والجماهير، بعيداً عن الإقصاء والأيديولوجيا.

علينا أن نأخذ الأمور بسياسة وحنكة، «حبّة حبّة»، والسياسة - كما هو معلوم - لا تتميز بالثبات، وليس لها وعد ولا قسم معين، أيضاً، وإنما هي متغيرة وتختلف من وقت لآخر وفقاً للظروف، لكن يظل - كما يرى جهابذتها - مبدأ تسخير الممكن في سبيل تحقيق الصعب هو أكثر وعودها ثباتاً.

وبالتالي، علينا أن نسخّر هذا الممكن ونتحاور سياسياً ووطنياً، من أجل بلادنا ومستقبلنا، فما نراه حقيقة صار غير قابل للبقاء والاستمرار بهذا الشكل، القيم تتبعثر، الأمن يتبعثر، الوطن يتبعثر، البشر تتبعثر، الاقتصاد يتبعثر، الطفولة تتبعثر، إيماننا ببعضنا يتبعثر.

وليس ذلك فحسب، بل هناك مستجدات وممارسات كثيرة تظهر أمام عيوننا، في كل ساعة تقريباً، وهي بمجملها ضد الوطنية وضد الإنسان، ضد الهوية والثقافة والاستقرار، لكم دفعنا وندفع لليوم ضريبة هوايات ونزوات وشهوات ومصالح البعض، لكن السؤال هو: إلى متى سنظل ندفع ؟

إلى متى سنظل نطوّع المنطق والوطن لشهوات وجموح البعض دون أن نضع لذلك حدّاً وفقاً للمصلحة العامة ؟

علينا أن نواجه ما يجري بإجماع وشفافية وجدية، لأن سكوت الجميع عما يجري كارثة، وعدم استعادة الدولة كارثة، وعدم التأسيس للدولة كارثة، وعدم حماية الدولة كارثة.

هل تعلمون إن صمتنا حيال ما يجري وجهلنا به مشاركة مباشرة وواضحة منا في التدمير والنزيف الحاصل في البلد، كما إنه قبول بكل هذه الأزمات والتعقيدات المفتعلة في الساحة الوطنية.

وكي يُفهم ما نقوله في سياقه الطبيعي، طبعاً نحن لسنا ضد أي طرف، ولا مع أي طرف، بسبب خلفيات سياسية، أو مناطقية، أو أيديولوجية معينة، لكنّنا ضد من يريد بنا شراً، ضد الفوضى، ضد الدكتاتورية، ضد التمزيق والعنف والقتل واللادولة.

بقي في الختام أن نضيف ونقول: ثقوا إن حل أوضاعنا بيدنا فقط، بيد اليمنيين أنفسهم، وليس هناك من هو أكثر حرصاً منا علي أنفسنا، غيرنا، وليس هناك من يعرف تركيبتنا الاجتماعية والقبلية وخارطتنا السياسية ومزاجنا العام والخاص وتعددنا وما نحتاجه وكيف يتم التعامل مع الوضع أكثر منّا، كما إنه لا يوجد أي قوة أو فصيل سياسي يمكن له أن يقود المرحلة لوحده، ويحكم لوحده ويأتي بحلول وطريق للخروج من الأزمة لوحده.

الحلول يجب أن تكون جماعية وقيادة البلد يجب أن تكون جماعية، وعلى الجميع أن يشاركوا في كتابة شهادة ميلاد رسمية وعصرية للدولة، وليس كتابة شهادة وفاة رسمية لها.

دمتم والوطن بألف خير.

تمت طباعة الخبر في: الأحد, 19-مايو-2024 الساعة: 06:58 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.awraqpress.net/portal/news-11199.htm