- لم أعد أخاف الموت..! لم يعد هذا الملاك قادرا على أن يخيفني

- لم أعد أخاف الموت..! لم يعد هذا الملاك قادرا على أن يخيفني
الإثنين, 18-أغسطس-2014
سارة مطر من الوطن -

لم أعد أخاف من الموت مُطلقاً، لم يعد هذا الملاك قادرا على أن يخيفني كما كان يحدث مُسبقاً، باتت مهمته أكثر سهولة مما مضى، استطاع هذا الملاك أن يختصر الزمن وأصل الحقيقة التي ألمت بنا، ولم نعد نملك الحق في أن نتفادى أهمية وجوده بيننا، حتى بتنا جميعاً على وفاق مع ما يقوم به من أعمال، ويبدو أن هذا الملاك قد عانى طويلاً لكي يعقد هذه الهدنة والمصالحة مع بني البشر، وأولهم أنا التي كانت تعاني أحياناً من عُزلة الحياة لا عُزلة البراري، نتيجة تعلقي بالآخرين وخوفي من فقدانهم المبكّر.


والآن رغم كل هذا الجمال البين في حياتنا، الأشياء التي كنا لا نحلم بها، والأشياء التي كنا نعتقد أننا لن نصل إليها، صارت أقرب إلينا حتى من أصابعنا العشر، كل شيء تبدل وتغير في هذا الكون، يحترق بالأمس فيعود سريعاً ليرتدي فستاناً بهياً غامراً بالفرح وألوان قوس قزح، الحياة لا تنتهي لهذا الكون، نحن فقط من يقرر أحياناً أن ينتهي منها سريعاً.


وحينما قرأت خبر وفاة الممثل الأميركي روبن ويليامز، بكيت كثيراً، حتى شعرت بأن الدموع تتسرب من أضلعي، رغم أنني كنت متوقعة جداً أن يموت قريباً، اعتدت بين حين وآخر على إدراك من سيرحل من حياتنا سريعاً، من خلال النظر إلى العيون التي يمكن لها أن تخبرك بموعد رحيلها مبكراً، حيث تكون زائغة ومنهكة وكارهة للحياة، ومطبقة في الصمت، فلا يمكن لك أن ترى فيها، إشارة إلى رغبتها الوضاءة في البقاء، فأدرك جيداً أن نهاية هذا الإنسان قد قربت، ورغم أن ويليامز لم يغادر حياتنا إلا منذ يومين فقط، إلا أنني كنت أتحين سماع خبر وفاته بين حين وآخر، كلما شاهدت له فيلماً ونظرت إلى عينيه، حتى استغربت أنه يصافح ملك الموت.


تقول الصحف إنه تم العثور على روبن ميتاً في منزله بشمال ولاية كاليفورنيا، ويرجح المحققون الأميركيون أن الممثل الأميركي قد شنق نفسه بحزام، غمرني الحزن حتى أخمص قدمي، انكفأت في صمت طويل، أعترف أنني بكيت وتأثرت أكثر مما أحدكم يتوقع أو يتخيل، خصوصاً بعدما علمت بكيفية اختياره لطريقة موته، حيث تم العثور على جثة ويليامز (63 عاماً) في وضع جالس تقريباً في غرفة نومه، وقد التف طرف أحد الأحزمة حول عنقه، بينما الطرف الآخر للحزام محشور بين أحد الأبواب المغلقة، لذا فقد تم ترجيح فرضية قيامه بشنق نفسه باستخدام ذلك الحزام.


وقد أصدرت زوجة ويليامز (سوزان شنايدر) بياناً صحافياً، قالت فيه: "فقدت زوجي هذا الصباح، وفي نفس الوقت، فقد العالم واحداً من أكثر الفنانين موهبة وإنسانية"، ويعتقد البعض أن روبن ويليامز كان يعاني من الاكتئاب في الآونة الأخيرة، حيث كان يتردد على أحد مراكز إعادة التأهيل والشفاء من إدمان المخدرات.


تساءلت هل يمكن أن كل هذه الأعمال الفنية الرائعة التي قدّمها لنا، وأمتعنا بها، كانت طريقة لإدمان المخدرات، أم أن الاكتئاب الذي مر به، جعله يفقد توازنه وأصبح يبحث عن طريقة للخروج منه عن طريق الإدمان، ما أعرفه أن مرض الاكتئاب هو أخطر الأمراض التي يمكن أن يصاب بها الإنسان في حياته، وأذكر مقولة للدكتور الراحل المصري عادل صادق، ذكرها في أحد مؤلفاته أن أقسى مرض يشعر هو كطبيب بالتعاطف الكبير مع مرضاه، هم مرضى الاكتئاب، لذا لا يستسهل أي أحد منا حينما يصاب بأعراض ويرجعها إلى الاكتئاب، هذا المرض يمكنه أن يقتلك دون أن تشعر بأي إثم أو أسى على حياتك، وأذكر من تجربة مررت بها في حياتي العائلية، قبل أن يصاب والدي شفاه الله بمرض "ألزهايمر"، كان قد دخل دون أن نشعر أو نحس في كهف الاكتئاب، ولأن ثقافتنا الطبية كانت ضعيفة، لم نعرف أن الأعراض التي مر بها، كان يمكننا مساعدته لو توجهنا مُبكراً إلى طبيب نفسي، لكي نخرجه من هذه الحالة الصعبة والمدمرة، وللأسف كان الاكتئاب بداية أعراض المرض الذي أصيب به لاحقاً، ولكني لازلت أشعر بالذنب حيال والدي، حينما كان يتألم ولم أكن أفهم أن ما يشعر به هو عبارة عن حريق هائل في الروح، ليتني كنت قد فهمت، ليتني كنت طبيبة أو ضليعة في الطب النفسي، لكنت ساعدته من هذا المرض القاسي!


وأخيراً وداعاً ويليامز.. وداعاً لجميع آلامك التي لم نكن نشعر بها!

تمت طباعة الخبر في: السبت, 18-مايو-2024 الساعة: 10:19 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.awraqpress.net/portal/news-8740.htm