- كل عظماء المعرفة في العلوم الانسانية أو في العلوم الطبيعية كانت وما زالت علاقتهم بالمعرفة أشبه ما تكون بعشق المحب لحبيبته، علاقة احترام وتقدير ومحبة وإعزاز واعتزاز وشغف، وليست علاقة مصلحة أو تسييس،

- كل عظماء المعرفة في العلوم الانسانية أو في العلوم الطبيعية كانت وما زالت علاقتهم بالمعرفة أشبه ما تكون بعشق المحب لحبيبته، علاقة احترام وتقدير ومحبة وإعزاز واعتزاز وشغف، وليست علاقة مصلحة أو تسييس،
السبت, 05-يناير-2013
د. مصطفى يحيى بهران -

كل عظماء المعرفة في العلوم الانسانية أو في العلوم الطبيعية كانت وما زالت علاقتهم بالمعرفة أشبه ما تكون بعشق المحب لحبيبته، علاقة احترام وتقدير ومحبة وإعزاز واعتزاز وشغف، وليست علاقة مصلحة أو تسييس، ولكن عالم المعرفة أيضا ضم في جانبيه في دهاليز التاريخ انتهازيين كثر، وتحضرني اليوم قصة الفرنسي العظيم أنطوان لافوازييه (1743م-1794م) وهو أول من اكتشف أن المادة لا تفنى ولا تخلق من العدم بقانونه المشهور بـ"قانون حفظ الكتلة"، حيث أثبت أن كتلة الماء في الحالتين السائلة والغازية سواء، أي أن عملية تحول كمية ما من الماء من حالة سائلة إلى حالة غازية لا تُنقص ولا تُزيد الكتلة بل تظل الكتلة مقداراً ثابتاً، كما أن اسمه اقترن باكتشاف الأكسجين في كتب تاريخ العلوم (الحقيقة التي لم تنشر في كتب تأريخ العلوم هي أن مكتشف الأكسجين الأول هو أبو محمد الحسن ابن احمد الهمداني (893م-976م) قبل لافوزييه بأكثر من 800 سنة وعلى القارئ أن يعود لمقال سابق في الوسط بعنوان "الاكتشاف اليمني للأكسجين").
أًعدم لافوازييه إبان الثورة الفرنسية مع زملائه الذين كانوا يعملون في إدارة الضرائب الفرنسية، وكان وراء إعدامه هو بالذات رجل اسمه "جان بول مارا" وهو عالم فاشل إذا صح التعبير، تحول إلى صحفي راديكالي هستيري متعطش للدماء وأقرب ما يكون إلى الجنون، ولكنه كان ذا تأثير وحضور كبيرين في الثورة الفرنسية، وكان يضمر حقداً على لافوازييه لأن الأخير رفض اختراعاً له بسبب افتقاره للدقة والقياس، وعند محاكمة لافوازييه طلبت زوجته العفو عنه، ولكن القاضي قال ما معناه أن الثورة لاتحتاج علماء أو عباقرة، ومات لافوازييه ولكن علمه لم يمت، فقد شكل الأساس لقوانين الحفظ في فيزياء اليوم ذات الأهمية الكبرى بما في ذلك قانون أينشتين الشهير "الطاقة تساوي الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء".
بالمقارنة اليوم لاشك أن الربيع العربي يعج بالانتهازيين أمثال جان بول مارا وغيره، بل نشأ في هذا الزمن مصطلح جديد هو "لصوص الثورات"، ولكن هذا ليس موضوعنا في هذه الكتابة، بل الموضوع هو الدرس التاريخي الذي مفاده أن لافوازييه سيظل إلى أبد الدهر في ذاكرة الإنسان بفضله وعلمه، في حين لا يذكر أمثال جان بول مارا إلا لماما.
اللهم لا تسلط على مؤسساتنا العلمية انتهازيي الثورات ولا تؤاخذنا بما يفعل الجهلاء منا.. إنك أنت العزيز الحكيم.
د.مصطفى يحيى بهران
أستاذ الفيزياء النووية وميكانيكا الكم

تمت طباعة الخبر في: الأحد, 19-مايو-2024 الساعة: 12:32 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.awraqpress.net/portal/news-356.htm