- القناع أو الوجه الآخر الذي يغطي الوجه الحقيقي، فيثير معه الغموض مع الهوية المزيّفة والدوافع إلى تزييفها. هذا القناع شهد تطورات عدة في وظائفه وأشكاله عبر التاريخ! فخذ عندك القناع العسكري وضرورته لحماية الوجه من تلقي الطعنات القاتلة، حتى صار من لزوميات الفروسية وخوض الحروب، ومنه انتقل إلى بعض المبارزات الرياضية كسلاح الشيش اليوم.

- القناع أو الوجه الآخر الذي يغطي الوجه الحقيقي، فيثير معه الغموض مع الهوية المزيّفة والدوافع إلى تزييفها. هذا القناع شهد تطورات عدة في وظائفه وأشكاله عبر التاريخ! فخذ عندك القناع العسكري وضرورته لحماية الوجه من تلقي الطعنات القاتلة، حتى صار من لزوميات الفروسية وخوض الحروب، ومنه انتقل إلى بعض المبارزات الرياضية كسلاح الشيش اليوم.
الثلاثاء, 02-إبريل-2013
ثريا الشهري -



القناع أو الوجه الآخر الذي يغطي الوجه الحقيقي، فيثير معه الغموض مع الهوية المزيّفة والدوافع إلى تزييفها. هذا القناع شهد تطورات عدة في وظائفه وأشكاله عبر التاريخ! فخذ عندك القناع العسكري وضرورته لحماية الوجه من تلقي الطعنات القاتلة، حتى صار من لزوميات الفروسية وخوض الحروب، ومنه انتقل إلى بعض المبارزات الرياضية كسلاح الشيش اليوم. فماذا عن التشوه الخلقي أو المرضي؟ استخدام القناع الدائم كان هو الحل. ويُقال إن ملك القدس الإفرنجي بولدوان الرابع الذي عاصر صلاح الدين أصيب بالبرص أو بمرض تتآكل معه معالم الوجه وتتركه مشوهاً، فلم يكن أمامه سوى قناع من فضة يضعه على وجهه دائماً، حتى إن أخته الملكة سيبيلا هي الوحيدة التي تمكّنت من مشاهدة وجهه الحقيقي وقت احتضاره.


لنأتي إلى مدينة البندقية الإيطالية، أو البقعة الأوروبية التي ظهر فيها القناع ولا يزال سكانها يحتفلون بوجوده حتى تاريخنا. حيث القناع «الفينيسي» كأحد المعالم الأثرية - التجارية، فكم طوّر الحرفيون من أشكاله وأحجامه وأسمائه وعلّبوه للتصدير إلى كل مكان، فلا تستغرب إن دخلت متجراً محشوراً في شارع خلفي على سطح الأرض، فعثرت فيه على الأقنعة البندقية معروضة للبيع وبأسعار عالية، فنوعية هذه البضاعة لا تصنّع بالآلات ولكن بالأيدي الفنية الماهرة.


وبالعودة تاريخياً نقول إنه ولأسباب غير معروفة للمؤرخين، لم يقتصر سكان البندقية على استخدام الأقنعة في المناسبات فقط، ولكنهم تعدوها إلى الاستعمال اليومي في مجالسهم وفي تجوالهم في الأسواق، حتى ظهر في القرن الـ14 قانون يحظر مزاولة بعض الأنشطة على المقنّعين ومنها المقامرة مثلاً، وبالتدريج أخذت القوانين طابعها المتشدد لكي يحد الناس من استعمال الأقنعة إلى أن تحدّدت بفترة معينة من السنة. والسؤال: لِمَ تحمس البندقيون لأقنعتهم بهذا الشكل اللافت؟ يرى الباحث الأميركي جيمس جونسون أن حكاية الفصل بين الطبقات وبخاصة بين النبلاء وعامة الشعب تسببت في استخدام القناع في شكل دائم كرد فعل مباشر على الترتيب الاجتماعي المتحيّز لطبقة من دون الأخرى، أضف إلى ذلك أنه ظهرت ونتيجة لرواج التجارة البحرية آنذاك، شريحة عريضة من الأثرياء البرجوازيين الذين توافرت لهم بفضل ثرواتهم فرص التواصل الاجتماعي مع النبلاء، فكان من الأنسب للجميع أن يتم اللقاء بمعزل عن أعين الناس واقتفائهم الفضولي، ومن يضمن هذا التمويه بأفضل من القناع؟ حتى بات «الماسك» لا ينزع إلا عند النوم.


وهنا تجدر الإشارة إلى أن مهرجان البندقية بعد أن تم إيقافه نهائياً في القرن الـ18 أُعيد إطلاقه عام 1979 بقرار من الحكومة الإيطالية لإحياء التراث الثقافي ومعه التنشيط السياحي، إلى أن نجح مهرجان البندقية السنوي بأيامه الأربعين في جذب ثلاثة ملايين سائح إلى تلك المدينة المغروزة في البحر والمرشحة للغرق والاختفاء نهائياً تحت الماء.


جاء في طبقات ابن سعد أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه وأرضاه - كان يطوف فى المدينة فإذا رأى أَمَة محجبة ضربها بدرته الشهيرة حتى يسقط الحجاب عن رأسها ويقول: «فيم الإماء يتشبهن بالحرائر!». وقال أنس: مرت بعمر بن الخطاب جارية متقنعة فعلاها بالدرة وقال: «يا لكاع أتتشبهين بالحرائر ألقي القناع». وروى أبو حفص أن عمر كان لا يدع أمة تقنّع فى خلافته. فسبحان الله حين تمشي المرأة اليوم في المكان العام فيأتي من يأمرها بغطاء الوجه! فهل يزعم أنه أفتى من سيدنا عمر بن الخطاب؟ وهل بيننا من إماء وحرائر كي تتقنّع الأمة فلا تميّز فتعرف؟ حتى غدت المرأة بقناعها تعيش بهوية غريبة عنها، ونقيض هويتها الحقيقية. إنه الوجه المزيّف الذي تعودت عليه حتى بعد نزعها لقناعها (القناع غير الحجاب بتفسير القرطبي). أمّا السؤال الموجه للرجل: فهل فكّر يوماً بوقع قراراته وتصرفاته على مشاعر المرأة؟ فحين يلاحقها ويحاصرها لطمس هويتها ومعها أحاسيسها إن اعترضت أو اشتكت، فكيف يتوقع أن تكون نفسية وسلامة عقلية مربية الأجيال؟ ولأن لا أحد يزايد على إسلام عمر بن الخطاب، فليست الحرة ملزمة بالقناع إلا أن يعود زمن العبودية ونكن جاريات العصر وموثقين ببيان رسمي.


كاتبة سعودية


suraya@alhayat.com




تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 12-يونيو-2024 الساعة: 10:49 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.awraqpress.net/portal/news-1259.htm