-  سجل أنك تستحم، وأنك ترتدي ملابسك

- سجل أنك تستحم، وأنك ترتدي ملابسك
الخميس, 04-ديسمبر-2014
بقيلم نادينرالبدير -

 استيقظت من نومك. سجل لحظة الاستيقاظ. الآن وقبل أن تنهض من السرير.


تبدأ يومك. سجل أنك تستحم، وأنك ترتدي ملابسك. وتتناول الإفطار. آلة التسجيل بها كاميرا... استغلها لتصوير الطعام... الفناجين... القهوة، الخبز... عليك إثبات كل شيء. بالوثائق والصور.


تهرول مسرعا لعملك. لا تنس تسجيل لحظة خروجك من المنزل بلقطة.


الآن تعرف ما عليك فعله.


في السيارة تصور نفسك وتكتب ما يجري أثناء القيادة. تحكي عن مشاعرك هذا الصباح... عما يحدث بالشارع، حتى نزول المطر، حتى مرور قطة، فأدق التفاصيل بغاية الأهمية.


اعترف وسجل ما قرأته من عناوين، سجل رأيك بالنظام والفساد والحرية وكل شيء. اكتب قبل أن تنسى.


في العمل. دون كل ما يراودك من أحلام وأوهام وملل وأفكار ثورية وأفكار غبية... كله بدقة وبالصور مع الزملاء إن أمكن.


حدد وقت خروجك من العمل بسجلك الاجتماعي (المريب).


أعد ما فعلت بالصباح بالنسبة لشأن المواصلات وكل صغيرة وكبيرة تدور في الشوارع. دخلت السوق. قم بتصوير ما تشتريه. قميص، حذاء، مايوه، سيارة، طلاء أظافر، كتاب، مشط، منزل، جريدة... أي شيء. كل التفاصيل مهمة. أهم مما تتصور.


تقضي المساء تدخن الشيشة مع الرفاق. هذه نقطة حساسة. الأمر يتطلب أسماء كل المجموعة والشواهد بالصور.


ماذا أخبرت زوجتك وما دار مع أبنائك من تعليقات. اكتب ولا ترفع عينيك عن جهازك. أنت عبد لصفحة التسجيل.


قبل أن تنام دون رأيك بمعطيات أخبار الثورات والإرهاب. مهما بدا رأيك سطحيا بنظرك. اكتبه. أقله لإثبات أنك مثقف ومتابع للأخبار.


تسافر بإجازة. أمطرنا بصورك من كل الجهات. كأنك لم تعرف السفر يوماً وكأننا لم نسافر أبدا. لا يهم أن تحكي عن ثقافة الشعوب. سجل ما تفعله أنت. محور السجل هو أنت. لذا فمطلوب كل التفاصيل أثناء سفرك. من قابلت، بمن اجتمعت، عما تحدثت، ماذا اشتريت، استمر بتصوير نفسك من الأمام والخلف والوجه. لا تغفل شيئا. واكتب تحت كل صورة بسذاجة أنا هنا. أنا تحت هذا البرج. فوق ذاك الجبل. أنا أبحر في النهر والبحر… أنا مع فلان وفلان وفلان.


أثبت في المحضر كل شيء.


تعيش حالة حب؟ الأفضل أن تذكر كل شيء...


كلما تماديت بإشهار تفاصيل حياتك كلما حظيت بشهرة ومكانة افتراضية أفضل...


آراؤك السياسة، آراؤك الاجتماعية والاقتصادية والمنحرفة... أنت تمارس خدمة جليلة.


يقولون: ان هذه السجلات ستدفع بالمجتمع للأمام... أخلاق القاع سترفع المجتمع للأعلى.


اشتم والعن ومارس أقذع الشتائم. لا تهتم فالسجل يسمح بكل الكلام. المهم أن تتكلم.


تظاهر بأنك تهدف للحرية، وارفع كل الرايات، اخدع نفسك بأن هذه التسجيلات باب جديد للحضارة التي اختفت من المكان. اكذب وقل انك كنت سبباً رئيسياً بكل الثورات. لولاك لما زج مبارك خلف القضبان ولما أعدم القذافي.


لا تتوقف فالشريحة الملصقة بأحد جوانب دماغك بانتظار أن تعبئها وتفرغها كل دقيقة أو أقل. أجهد من عمل الصحافي.


اكذب وقل لنفسك انك صحافي تنافس الصحافة الكلاسيكية. وانغمس بخديعة اسمها (الإعلام العالمي الجديد) وتغاضى عن أنها (المخابرات العالمية الجديدة)...


صدقهم بأن كل مواطن أصبح صحافياً يعلن الأخبار ويحللها ويعلق عليها. ينتقد الإعلاميين ويشتمهم وله رأي بعملهم الذي لا يعتبره وصل للمرموق. الذي لم يقرأ كلمة في حياته تعلم الدق على المفاتيح وصار منظرا للإعلام.


لم يعد جهاز المباحث مضطرا لإرسال مخبريه للتخفي وجمع المعلومات. لم يعد مضطرا لاعتقالك والتحقيق معك. فالمجتمع بأكمله يشهر حياته على شرائح ملصقة على قفاه أو برأسه. ليس هناك فارق.


شرائح تم إلصاقها غدرا أو قهرا أو ظلما. لا أدري. المهم أنها أدخلت بأدمغتنا. اسمها وسائل التواصل الاجتماعي.


ستغفو عيناك.


اكتب: تصبحون على خير.


وإن راودك القلق سجل أسبابه. لعلك اقترفت خرقا نود معرفته.


كاتبة وإعلامية سعودية


nadinealbdear@gmail.com

تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 06-مايو-2024 الساعة: 01:16 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.awraqpress.net/portal/news-10303.htm