بقلم / علي محمود الكاتب -
كم حسبنا أننا نحيا بوطن يتسع للجميع ، وطن سيكون أكثر رحابة بأبنائه، وطن له حدود وحضن حنون دافئ بلا حدود ، وطن قادر على ضم الجميع من مختلف الاتجاهات والتيارات السياسية ، وكم حلمنا وحلمنا أن يكون عنواناً عربياً ومثال راقً ورائع للحق والعدالة والديمقراطية ، ولكن الحقيقة اختلفت حين قرر من يمتلكون زمام أمورنا قصراً أن عيوننا وأحلامنا البسيطة أكبر من حجم هذا الوطن !
فالمصالحة الوطنية لطالما كانت حلم وهدف نبيل لكل أبناء هذا الشعب ، وقد أرادها أيضاً أصحاب المصالح كما يشاع بالإعلام ومجالس القهقهة وطاولات رأس المال ، ولكن التطبيق على الأرض جاء بالحقيقة المرة ، فبعضهم أراد ان تكون المصالحة حبر على ورق أو في أحسن الأحوال ، باب من أبواب الإنفاق وتغطية للعجز المالي ومصدر جديد للربح وتناسوا أن للأمر ثمن يجب دفعه من قبل كل الأطراف !
ونتذكر أننا غنينا بحناجرنا المبحوحة "الصلح خير" حين عقد اتفاق الشاطئ ، وقلنا لأيام الانقسام وداعاً وعفا الله عن ما سلف ولنفتح أبواب قلوبنا مشرعة نحو التآخي والتسامح و المستقبل الوطني الذي أردناه ، ولكنهم راحوا يضعون العراقيل بالسبل الممكنة والغير ممكنة وصولاً لإفشال حكومة وليدة لم يمضي على وجودها بالحياة إلا ساعات قلائل ولكي نعود فاشلين للمربع الأول !
فقلائل هم من فهموا ان المصالحة واجب وطني و ديني وأخلاقي مقدس ، وعادت ريما لعادتها القديمة وبدأت الربابة بالعزف من جديد على وتر كيف نفسر اتفاق الدوحة والقاهرة والشاطئ واتفاقيات أخرى ربما كانت غير ظاهرة للعيان !
فبدأت الأبواق الإعلامية الرافضة للمصالحة ومن خلفها بشر صغار بلا ضمائر في شرح القواعد اللغوية للعبارات المندرجة في أوراق التصالح وراحوا يقدمون الخبر على المبتدأ والمفعول به على الفاعل، وكأنهم وفجأة قد أصبحوا من كبار علماء الأدب والفكر العربي !
يا ترى هل يتذكرون وهم ينقشون الفتنة على جدار هذا الوطن ويعممون قاعدة فرق تسد ، ما يحدث للقدس من تهويد ومن قضم استيطاني لأراضينا المحتلة وهل نسوا أن شهداء كثر قد رحلوا من أجل التحرير ، وأسرى خلف السجون قلوبهم تواقة للحرية وعيونهم شاحبة لرؤية مصير تضحياتهم وهل تركوا الرباط حول الحدود ليصبح رباطهم حول قواعد التفسير لأوراق المصالحة ؟!
عار عليكم ما تفعلونه بشعبنا وذلك المشهد المخزي أمام البنوك ، وعار على كل من بدأ يدق في نعش المصالحة مساميره الانقسامية ، فالوطن أرحب منكم وأعلى شأناً من قضاياكم الهامشية ، فلا أحداً يرضى بأي حال من الأحوال أن ينام أياً من أبناء شعبنا وهو جائع أو مظلوم أو لا يجد قوته أو راتبه ولكن ….دائما هناك القانون الذي يفرض الحق ، والحق لا يعلى عليه ، فالقواعد المالية والعلمية لمن في رأسهم بعضاً من العقل ، تحتم عليكم إتاحة الفرصة الكافية لعمل حكومة التوافق واللجان التي شكلتها اتفاقيات المصالحة ولتعلموا ان الصعود لنهاية السلم يبدأ دوماً بدرجة أولى !
قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)) سورة الصف. (