د.عبدالرحمن أحمد ناجي فرحان -
الاندفاعربما كان أغرب وأظرف القرارات الرئاسية التي سمعناها خلال هذا العام ، هو قرار رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة رقم (2) لسنة 2014م بتعيين ناطق رسمي للقوات المسلحة الصادر في الـ 28 يناير 2014م ، ويومها توجس البعض خيفة من مغزى صدور ذلك القرار في ذلك التوقيت ، وراح كلٌ يُدلي بدلوه في تحليل وتفسير وتوقع معنى ودلالة الخبر ومدى حاجة الجيش إلى من ينطق باسمه ، إلا أننا ومنذ ذلك التاريخ لم نسمع ذلك الرجل ينطق بكلمة واحدة بشأن ما يلحق بأفراد القوات المسلحة من مجازر وتصفيات تكاد تكون يومية وعلى امتداد خارطة الجمهورية اليمنية .ـ
وخلال أقل من أسبوعين من صدور ذلك القرار وتحديداً في العاشر من فبراير2014م أصدر رئيس الوزراء قراراً قضى بتعيين ناطق رسمي لرئاسة الوزراء ، وتسلم الرجل عمله بمنتهى الهِِمَّة والحيوية والنشاط ، وصار وجهاً مألوفاً في الشارع اليمني بمؤتمراته الصحفية الأسبوعية عقب الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء .ـ
لكن حاله لم يختلف كثيراً عن حال الناطق باسم القوات المسلحة اليمنية ، فيما يتعلق بنفس الموضوع المشار إليه أعلاه ، وكأن قيادة القوات المسلحة (اليمنية الشقيقة) ورئاسة الوزراء في اليمن (الشقيق) غير معنية ولا شأن لها بموضوع القتل بدم بارد الذي يبدو أنه يطال مواطنين يمنيين في اليمن (الشقيق) ، وليس للناطقين ولا من ينطقون باسمهم لا ناقة ولا جمل في ذلك ، فالأمر منوط بالسُلطات في (اليمن الشقيق) وهي قادرة على مواجهتها ، وليس من حقهما التدخل أو أن يدسا انفيهما في شئون دولة أخرى ذات سيادة .ـ
وبالعودة إلى الوراء قليلاً وتحديداً للعام 2011م تحديداً فإننا سنجد أن الحلقة الأولى من مسلسل المجازر الدموية غير المسبوقة من خلال التصفيات الجسدية للمدنيين والعسكريين في بلادنا ، قد بدأت في جمعة الثامن عشر من مارس من ذلك العام ، بتصفية العشرات من المدنيين الأبرياء لحساب صاحب المصلحة الحقيقية في تصفيتهم للتعجيل بانهيار النظام السياسي القائم آنذاك ، لكن بمشيئة الله خابت التوقعات ولم تتحقق الأمنيات ، غير أن شهية القتل والتلذذ بسفك الدماء انفتحت على مصراعيها منذ ذلك اليوم المشئوم لحصد المزيد والمزيد من أرواح الأبرياء .ـ
وتوالت أحداث مسلسل الرعب الجنوني الواقعي غير الممثل ولا الممنتج في استوديوهات هوليود ، توالت حلقات الجنون المطْبِق الذي لا يحكمه عقل ولا منطق ولا دين سماوي ولا قانون وضعي ، توالت المجازر والمذابح البشرية واحدة تلو الأخرى مروراً بمجزرة جامع دار الرئاسة ثم مجزرة (أو مفرمة) ميدان السبعين ، ومجزرة مستشفى العرضي ومجازر الثكنات العسكرية في حضرموت وشبوة انتهاءً بمجزرة المنطقة العسكرية الرابعة في عدن ، وتخلل تلك الأمثلة العديد من المجازر الجماعية والتصفيات الفردية سواء بمفخخات أو أحزمة ناسفة أو طائرات بدون طيار أو بعمليات انتحارية أو من خلال سقوط طائرات عسكرية في أحياء سكنية ، والتي تؤدي لتناثر أشلاء أجساد اليمنيين وإراقة دمائهم .ـ
كما توالت قرارات وتوجيهات رئيس الجمهورية بتشكيل لجان للتحقيق في كل عملية فردية كانت أو جماعية – فيما عدا غزوة المنطقة العسكرية الرابعة بعدن فلم نسمع حتى الآن عن تشكيل لجنة للتحقيق في ملابساتها – حتى أصبحنا بحاجة ماسَّة حقيقية ومُلحَّة لتشكيل هيئة وطنية عليا لحصر تلك اللجان والإشراف على أعمالها والتنسيق فيما بينها ، وفي ظل عدم الدفع بما تمخض عن عمل كل تلك اللجان من نتائج التحقيقات – إن كانت هناك نتائج أصلاً – للأجهزة القضائية ، تُشير الوقائع إلى أن مؤلف ذلك المسلسل ومخرجه وقبل ذلك منتجه ومموله هو كيان واحد ، فكل تلك العمليات الوحشية هي نتاج فكر أحمق مخبول مريض يائس بائس لا يُقيم للحياة البشرية وزناً ولا قيمة ولا معنى .ـ
وها هو الطيف السياسي الذي يقف وراء كل ذلك المشهد الدموي صار يتبنى حرفياً وبجنون تام أو بالأصح بهستيريا مطلقة المثل القائل (أنا ومن بعدي الطوفان) ، إذ يبدو أن حالة من التبلد والذهول وعدم الاستيعاب قد أصابت قياداته في اليمن نتيجةً للصدمات والضربات المتتالية التي يتلقاها تنظيمهم الدولي ، خصوصاً وأن أجنحته في كل أرجاء الأرض تتهاوى يوماً بعد يوم ، ومع إطلالة كل يوم جديد يزداد تضييق الخناق عليهم بإعلان المزيد من دول العالم إدراج تنظيمهم الدولي ضمن الجماعات الإرهابية المحظور عليها قانونياً ممارسة أي نشاط تنظيمي على أراضيها .ـ
وبدلاً من الإنصات لصوت العقل والتصرف الحكيم مع المعطيات والمؤشرات الإقليمية والدولية نرى الخطاب السياسي لقادة تلك الجماعة يوحي بأنهم في ذروة قوتهم وهيلمانهم ، حتى وصل بهم الإفراط في الغباء والوقاحة لدرجة تهديد رئيس الجمهورية بأنه إن لم ينصاع لمخططاتهم ورغباتهم فإنهم قادرين على اقتلاعه من منصبه ، والعودة باليمن للمربع الأول الذي كان عليه مطلع العام 2011م عبر التلويح بورقة الدفع نحو استحقاق الانتخابات الرئاسية .ـ
وهذا – في تقديري – ليس أكثر من اندفاع أهوج وبخُطى ثابتة نحو الانتحار السياسي لهذا التنظيم السياسي المتلبس بالدين الإسلامي والدين الإسلامي الحنيف منه براء ، فهو إما أنه لا يقدِّر حجمه الحقيقي في الشارع اليمني أو أنه يدرك يقيناً ذلك الحجم ولكنه يُكابر ، ربما مراهناً ومستقوياً بقدرة ذراعه العسكري على حسم الأمور لصالحه ، أو في أقل تقدير الإبقاء عليه رقماً مؤثراً في اللعبة السياسية ، وهو هنا لا يُلقي بالاً لأي عواقب من شأنها إلحاق الضرر البالغ بالمصلحة الوطنية ، فهو كعادته يُقدم مصلحة كيانه التنظيمي على ما عداها بحجة باتت مُضحكة ومكشوفة مازالوا يغررون بها على قواعدهم ويدغدغون بها عواطفهم وأحلامهم وطموحاتهم تتمثل في أنهم لا يؤمنون بما يُسمى (الدولة) بشكلها القائم الآن ، لأنهم طامحون لخلافة (إسلامية) تتجاوز مفهوم الدولة الضيق .ـ
...................