الاقتصادية -
ما وظيفة الطبيب؟ هل هي تشخيص المرض، أم معالجة المرضى، أم إقناع الأطباء الآخرين بوصف دواء من علامة تجارية معينة؟ بالنسبة للذين يختارون الجواب الأخير، إليكم هذا السؤال الإضافي: هل تعمل لدى إحدى شركات الأدوية؟
قرار جلاكسو سميث كلاين وقف دفع أموال للأطباء من أجل ترويج أدوية الشركة لدى الآخرين، والتوقف عن إعطاء موظفي المبيعات علاوات استناداً إلى عدد المرات التي يصف فيها الأطباء أدويتها، هي آخر خطوة في عملية إصلاح بطيئة من جانب الصناعة. ونتيجة للفضائح والأنظمة الجديدة، بدأت صناعة الدواء التصرف – في بعض البلدان – على النحو السليم الذي ينبغي أن تكون عليه.
لن يعترض أحد لو أن شركة تابروير تكافئ زبائن مختارين إذا باعوا منتجاتها لأصدقائهم في الحفلات، أو إذا وظفت "بروكتور آند جامبل" موظفي مبيعات للترويج لمنتجاتها في محال التجزئة. لكن الممارسات الشبيهة بذلك من شركات الأدوية مليئة بالتضارب والعثرات. فهي تخاطر بتحويل النصيحة التي يعطيها أحد الأطباء إلى نوع من التسويق الذي يقوم به أحد المسوقين.
ونتيجة للأنظمة الجديدة من قانون "صنشاين" في الولايات المتحدة وفرنسا، الذي يضطر الشركات إلى الإفصاح عن دفعاتها إلى الأطباء، تقوم بعض هذه الشركات الآن بالحد من التصرفات المسيئة. وهناك مخاوف الآن من أن تعمل هذه الشركات، بدلاً من التخلص من هذه الممارسات السيئة نهائياً، على تصديرها إلى بلدان الأسواق الناشئة التي لا تخضع فيها الصناعة لتنظيم كبير. وتعاني "جلاكسو" المتاعب منذ الآن في الصين بسبب ادعاءات بأنها ترشي الأطباء.
وإلى جانب الأخلاق هناك أسباب في مصلحة الشركات تدفعها للتغير. وتعتمد الشركات الآن بصورة متزايدة على روابطها مع الأطباء والمؤسسات الأكاديمية العاملة في مجال الأبحاث، بدلاً من إنجاز عمليات اكتشاف الأدوية وتطويرها في معاملها. وليس من مصلحتها أن تسمم بئر الأبحاث المذكورة من خلال الاستغلال السيئ لروابطها ومعارفها في الصناعة.
الدافع الثاني هو حماية البراءات. فلطالما كان منطق الشركة هو تطوير أدوية مبتكرة وخدمة المصلحة العامة، فهي تستحق هذه الحماية. لكن إذا بذلت جهوداً فوق الحد في الضغط على الأطباء لوصف الأدوية من علاماتها التجارية بدلاً من الأدوية البديلة (أي التي تباع بحسب الاسم العلمي وليس التجاري) التي تحقق الأثر نفسه للمرضى وتباع بأسعار أقل، فإنها لا تستحق الحماية.
وبالنسبة لبعض المنتقدين تعتبر فكرة تسويق الأدوية في حد ذاتها مثاراً للشبهات. ويقول تيم ريد، المدير التنفيذي لمؤسسة هيلث أكشن إنترناشونال: "هذا أنموذج للأعمال تتمتع الشركات بحق اتباعه، لكن النتيجة النهائية أن المرضى يدفعون مبالغ أكثر مقابل الأدوية وربما لا يحصلون على علاج أفضل".
وأرى أن هذا الرأي مبالغ فيه، لأن إعلام الأطباء والمستشفيات بدواء جديد يمكن أن ينقذ الأرواح ويقلص تكاليف العلاج الأخرى نشاط مشروع بل وينطوي على فوائد. وتأتي الصعوبة حين يتحول الأطباء من صرف الأدوية إلى ترويجها.
ومن الواضح أن هذا حدث في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان المتقدمة. فقد تم تغريم شركات مثل جلاكسو وجونسون آند جونسون مليارات الدولارات بسبب التسويق غير المشروع، مثل الترويج للأدوية لاستخدامات غير معتمدة. ليس هذا فحسب، ولكن نشاطاتها التسويقية القانونية تثير القلق أيضا.
ووجدت دراسة حديثة أن الأطباء الأمريكيين يرجح لهم أن يصفوا دواء من علامة تجارية معينة أكثر من البديل الموازي إذا تلقوا مالاً من الشركة التي تصنع الدواء. ورشوة الأطباء تعد مخالفة للقانون لكن كثيراً من الشركات تدفع نفقاتهم لحضور المؤتمرات (وغالباً في أماكن مشمسة أثناء الشتاء) لترويج أدويتها للآخرين.
وهذه الممارسة الأخيرة مثيرة للشبهات. كذلك يأخذ الأطباء أتعاباً للتحدث في مؤتمر معين، أو لإلقاء كلمة أمام مجموعة صغيرة من الزملاء المحترفين، حول دواء معين. وغالباً ما تدعو الحاجة إلى التدقيق في ملاحظاتهم حتى لا تكون مخالِفة لقواعد تسويق الأدوية، ونتيجة لذلك، هناك أجزاء تكون مكتوبة بصورة مباشرة أو معتمدة من قبل شركة الأدوية.
وبطبيعة الحال لا يرى الأطباء أنهم فاسدون، لكن الدراسة وجدت أن الأطباء في الولايات "الفاسدة" – مثل لويزيانا ومسيسيبي التي توجد فيها معدلات عالية من الإدانات في جرائم مرتبطة بالفساد – كانوا أكثر ضعفاً أمام الدفعات التي من هذا القبيل. (كذلك وجدت الدراسة أن الأطباء أكثر ميلاً لقبول الدفعات من الطبيبات). وتجادل مثل هذه الشركات بأن دفع نفقات حضور المؤتمرات هو طريقة مشروعة لتثقيف، أو إعلام الأطباء الذين لا وقت لديهم، وأن رحلات الجولف الباذخة وحفلات الغداء الطويلة في التسعينيات اختفت منذ زمن بعيد. ويقول أحد التنفيذيين: "الفكرة هي أنَّ تَحالف الشر أصبح خاطئاً وعتيق الطراز".
لكن تقدُّم الصناعة كان بطيئاً. ومبادرة "جلاكسو" تأتي في أعقاب قرار أسترا زينيكا في 2011 بالتوقف عن دفع المال للأطباء لحضور المؤتمرات الدولية، لكنها تظل الاستثناء وليس القاعدة. وشفافية الدفعات كانت في الغالب تُفرَض فرضاً على الشركات من قبل التسويات والقوانين التنظيمية.
وظلت الشركات تراوغ لفترة طويلة للغاية إلى درجة أن الموضوع أصبح غير ذي أهمية في بعض الأسواق. وفي الوقت الذي تقوم فيه الدول وشركات التأمين بتقييد الارتفاع في التكاليف، فقد شكلت عدة لجان وهيئات سريرية – مثل المعهد الوطني للصحة والامتياز في الرعاية في بريطانيا – لتقرير الأدوية التي يمكن صرفها. وهذا يؤدي إلى عوائد متناقصة من الدفع مباشرة للأطباء.
في الوقت الذي تقوم فيه شركات الأدوية بتقليص فرق المبيعات في الأسواق الناضجة، إنها معرضة لخطر تكرار هذه الممارسات في الخارج. وفي 2006 كانت أكبر عشر شركات توظف 6000 مندوب مبيعات في الصين، لكن هذا العدد ارتفع إلى 25 ألفا في 2011، وفقاً لماكينزي. وبعض هؤلاء المندوبين الذين وظفتهم "جلاكسو" وغيرها اتُّهِموا بدفع نفقات رحلات الأطباء وإعطائهم "مظاريف حمراء" تحتوي على المال. وإذا أرادت هذه الشركات قطع صلتها بالماضي، يجدر بها أن تلتزم بنوعين من الإصلاح. الأول هو أن تضمن أن يتوقف تسويق الأدوية من علاماتها التجارية حين يُنتَج دواء بديل. وسيعمل هذا على تقليص عدد من أكثر أشكال التسويق المضخِّمة للتكاليف في شركات الأدوية. والآخر، كما وعدت "جلاكسو"، هو أن يكون الإصلاح على المستوى العالمي وليس بصورة تدريجية من منطقة لأخرى. وفي مخطط الأمور، ليس من التقدم أن تصلح أفعالك في بلادك في الوقت الذي تأخذها معك في جولة حول العالم.