وصــــــــــــف بيان لعدد من العلماء والدعاة السعوديين عزل الجيش المصري للرئيس محمد مرسي الشهر الماضي بـ”الانقلاب العسكري مكتمل الأركان” وبالعمل “المحرّم والمجرّم”، مشيرا إلى أنه “قد وقع بالتواطؤ بين أطراف إقليمية ودولية، وأنه تم الإعداد له من اللحظة التي انتخب فيها مرسي رئيساً لمصر”.
وفيما يلي نص البيان:
الحمد لله رب العالمين؛ ولي الصالحين وناصر المظلومين، قاصم الجبابرة والظالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته أجمعين.. أما بعد:
فإن ما وقع في مصر من انقلاب عسكري نفذه وزير الدفاع الفريق عبدالفتاح السيسي على الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، وما تلا ذلك من إجراءات قمعية وملاحقات أمنية بحق أغلبية الشعب المصري من مؤيدي الرئيس، ومصادرة ومنع وسائل التعبير التي تنقل معاناتهم ووجهة نظرهم.. أمر أقض مضاجع المسلمين، وينذر بمستقبل مخيف بدت نذره واضحة..
وقد حرصنا على التأني في اتخاذ موقف محدد من الأحداث رغم وضوح اتجاهها في الجملة حتى لا تُقرأ مواقفنا بصورة خاطئة..
أما وقد مضى أكثر من شهر على الانقلاب، ووقع من الانقلابيين ما شاهده العالم من عنف وقتل متعمد ذهب ضحيته مئات القتلى وآلاف المصابين، ومن اصطفاف مستنكر للقوات المسلحة والأمن مع أقلية من الشعب تم سوقها لتأييد الانقلاب تحت تأثير حملات التشويه الإعلامي أو لدوافع طائفية أو فكرية بهدف فرض واقع جديد بالقوة، فقد تعيّن على أهل العلم إزاء هذه التطورات الخطيرة في الحال والمآل، بما أخذ الله عليهم من واجب البيان، وما بوأهم من مكانة وريادة في شئون الأمة أن يبينوا الموقف الشرعي مما يجري في مصر، وحقيقة الظروف السابقة له والمآلات المتوقعة لمثل هذا الانقلاب.. على النحو التالي:
أولاً: إن ما وقع في مصر من عزل الرئيس المنتخب من قبل وزير الدفاع هو انقلاب مكتمل الأركان.
وهذا عمل محرّم مجرّم، نرفضه باعتباره خروجاً صريحاً على حاكم شرعي منتخب، وتجاوزاً واضحاً لإرادة الشعب، ونؤكد بطلان كل ماترتب عليه من إجراءات.
ونسجل اعتراضنا ودهشتنا من مسلك بعض الدول التي بادرت بالاعتراف بالانقلاب، مع أنه ضد إرادة الشعب المصري، وخروج على حاكم شرعي منتخب، وهذا من التعاون على الإثم والعدوان المنهي عنه شرعاً، وسيكون لهذا الموقف آثار سلبية خطيرة على الجميع لو دخلت مصر – لا قدّر الله – في فوضى واحتراب داخلي.
ثانياً: ثبت باستقراء الأحداث والتصريحات والمواقف الإقليمية والدولية أن هذا الانقلاب قد وقع بالتواطؤ بين أطراف إقليمية ودولية، وأنه تم الإعداد له من اللحظة التي تم فيها انتخاب الدكتور محمد مرسي رئيساً لمصر.
ثالثاً: لم يعد خافيا على أحد أن إفشالَ حكومة مرسي كان عملاً متعمداً وممنهجاً عن طريق إثارة القلاقل وتعطيل عجلة الإنتاج، وتحكم رموز الدولة العميقة بالخدمات الأساسية كالكهرباء والمحروقات والدقيق بهدف إثارة الرأي العام ضده وضد حكومته.
رابعاً: حقيقة الأمر أن الانقلاب لم يكن انقلاباً تصحيحياً ولكنه انقلاب لإقصاء التيارات الإسلامية والوطنية، ومنع الاستقلال الحقيقي لقرار مصر وسيادتها. يؤكد ذلك أن قادة الجيش والشخصيات السياسية والأحزاب المصنوعة لهذا الهدف – كجبهة الإنقاذ وحركة تمرد ، وهم الجناح المدني للانقلاب – مقربون من الدوائر الغربية ومن الأقباط، ومن أعداء الإسلام بصفة عامة.
خامساً: نستنكر وندين ما أقدم عليه الجيش والأمن من أعمال عنف وقتل مروع، عن عمد وترصد لمئات المتظاهرين السلميين في الصلاة وفي الميادين؛ لمجرد التظاهر ضد الانقلاب!. مع أن واجب الجيش والأمن حمايتهم وتحقيق أمنهم . ألم يطرق أسماعهم قول الحق: “وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا” وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لزوال الدنيا أهون على الله عز وجل من سفك دم مسلم بغير حق” .
سادساً: نؤكد للجميع أن عزل الرئيس مرسي وإفشال حكومته تحت شعار منع أخونة الدولة هو ذريعة وتعلق بقشة باهتة، والحق أنها أسقطت لأنها ذات توجه إسلامي وطني.
إننا في موقفنا الرافض للانقلاب وما ترتب عليه لا ندافع عن الإخوان المسلمين، بل ندافع عن الحق، ونقف مع المظلوم ومع حقوق الشعب المصري المعتدى عليها.
ولن نكون يوماً واقفين مع جماعة أو أفراد لذاتهم، لكن إذا كانوا أو غيرهم في خندق الحق الذي ندين الله به فسنقف معهم، ولن ندع الدفاع عن الحق لأنهم كانوا في جهته.
سابعاً: ولهذا نستنكر موقف بعض الأحزاب والجهات والشخصيات الداعمة لهذا الانقلاب، ونقول: إن شريعتنا ترفض الخروج على الحاكم الشرعي، وترى نصحه والاحتساب عليه بالوسائل المشروعة؛ وإن من عقيدتنا الوفاء بالعهد والعقد ولو على أثرة علينا.
ونطالبهم أن يراجعوا مواقفهم ويتبرؤوا من الانقلابيين ومن الأحلاف المشبوهة، ويرفعوا عنهم غطاء الشرعية وأن يدينوا كافة أعمال العنف والقتل وأن ينسبوها لفاعليها حقيقة، وأن يتصالحوا مع محيطهم الإسلامي الذي أيدهم. كما نقدر مواقف العلماء الذين انحازوا للحق ووقفوا معه.
ثامناً: لقد أثبت الغرب كعادته أنه مع الاستبداد والعنف إذا كان ضد الشعوب المسلمة؛ سواء كانت تواجه حرب إبادة كما في سوريا، أو انقلاباً ومصادرة للحقوق كما في مصر. ونؤكد للغرب أن الشعوب قد عرفت اللعبة، وسوف يدفع الغرب ثمن عبثه بالقيم والمبادئ.
إن الغرب بمعاييره المزدوجة يدفع المنطقة للفوضى ويؤسس لثقافة العنف!
تاسعاً: يتعين على أطراف النزاع أن يتقوا الله، وأن يقدموا ما توجبه الشريعة من رعاية المصالح التي مبناها على حفظ الضرورات الخمس، ويتجردوا من حساباتهم الشخصية والحزبية، وأن يتوافقوا عاجلاً على إقامة العدل ووقف نزيف الدم وانقسام الشعب. وعلى عقلاء مصر أن يخرجوا عن الصمت والتردد إلى حمل الفرقاء على محكمات المصالح ومكتسبات الشعب المصري، وأن يكون الاحتكام إلى الحوار في علاج المشكلات، وإلى الصناديق في حسم النزاع .
وفي هذا المقام نشيد بموقف جبهة علماء الأزهر وغيرهم من علماء مصر، الذين جهروا بالحق ورفضوا الانقلاب، ونذكّر كافة العلماء والدعاة والمثقفين وأهل الرأي بضرورة الوقوف الحازم ضد الانقلاب.
عاشراً: ندعو العالم كله ووسائل الإعلام أن يتقوا الله في مصر وأهلها، وأن ينحازوا للحق، ويراجعوا مواقفهم، خاصة بعدما سفك الانقلابيون الدم الحرام، وقسّموا الشعب وابتغوا الفتنة بالدعوة للنزول ليواجه الشعب بعضه بعضاً.
إن السكوت على جرائم العسكر خيانة لهم، وإن تأييدهم خيانة للأمة ولتطلعات الشعوب في الحرية والكرامة. إن لنصرهم وجهاً واحداً فقط، هو منعهم من الظلم وحجزهم عنه.
حادي عشر: نؤكد دعمنا لكل المطالبين بعودة الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي وندعوهم للثبات والاحتساب، فهم على حق، ومطالبهم مشروعة، ونناشدهم ضبط النفس، وقطع الطريق على مريدي الفتنة، الذين سيجعلون منها ذرائع لمزيد من القتل. والله نسأل أن يتقبل من قضى منهم ويشفي جرحاهم، وينزل على ذويهم الصبر والسلوان، ويرزقهم الاحتساب. ثاني عشر: نذكر أنفسنا وأهلنا في مصر وغيرها أن مايجري هو بقدر الله تعالى وهو فصل من فصول المدافعة بين الحق والباطل؛ بين العلمانية والإسلام، بين السيادة والتبعية. فاحسموا أمركم وقفوا ضد الانقلاب الذي بدأ بتعطيل مؤسساتكم الدستورية ثم بقتل المصلين. وهاهم يُلوحون بقانون الطوارئ وإعادة بناء المؤسسات الأمنية ، وتغيير الهوية ..وهذا ما يبشر به الانقلابيون فاحذروهم “وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” بإيمانكم واصبروا “وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين” واجهروا بالمطالبة بالاحتكام إلى الشرع المطهر وتحكيمه، ففيه الحرية والعدل وهو أحسن الدساتير “وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ “. ووالله لئن تحقق للانقلابيين ما يريدون لَتَبْكُنّ على أيام المخلوع حسني مبارك.
وأخيراً فإن علينا أن نكون شجعاناً في رؤية عيوبنا التي لا نشك أنها كانت نقاط ضعف نفذ منها العدو..وفي مقدمتها تفرّق كلمتنا، والتعصب للحزب والجماعة.
ونوصي أهلنا في مصر بتقوى الله والاعتصام بحبله المتين، والتمسك بصراطه المستقيم، قال تعالى: “وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”
اللهم احفظ على مصر أمنها وإيمانها ، واجمع كلمة أهلها على الحق .. واكفهم شر أعدائهم في الداخل والخارج. آمين..
يرحب الموقع بآراء الزوار وتعليقاتهم حول هذه المادة تحديداً، دون الخروج عن موضوع المادة، كما نرجو منكم عدم استعمال ألفاظ خارجة عن حدود اللياقة حتي يتم نشر التعليق، وننوه أن التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الموقع.