- هي المرة الأولى التي يأتي عيدها السنوي وهي غائبة عن الحياة الدنيا، غائبة عني بجسدها الطاهر لكنها حاضرة بروحها في عقلي وقلبي ووجداني طوال الليل والنهار.
هي المرة الأولى التي يأتي عيدها السنوي وهي غائبة عن الحياة الدنيا، غائبة عني بجسدها الطاهر لكنها حاضرة بروحها في عقلي وقلبي ووجداني طوال الليل والنهار. كيف أنساها للحظة واحدة وهي من ظلت ترعاني منذ كنت جنيناً في بطنها حتى آخر ثانية في حياتها. أمي، لكم أنتِ عظيمة، سهرتِ الليالي من أجلي وإخوتي، جِعْتِ لنشبع وسهرت لننام، وحزنتِ لنضحك، وتحملتِ قسوة الحياة من أجلنا، أنفقت كل ما لديكِ من مال وذهب لأولادك، كان بإمكانكِ أن تجمعي المال وتشتري به حلياً أو بيتاً مثل أختكِ الصغيرة، لكنكِ فضلتِ أبناءكِ على نفسك، حتى الكفن اشتريته من مالكِ الخاص، وحتى الحج رفضتِ أن ينفق عليك أخوكِ الثري قلت له يا مهدي أريد أن أحج من مالي الخاص وبعتِ له جزءاً من الأرض. لم يكن لديكِ طموح إلا رضا اللَّه وسعادة أبنائك ومساعدة الأرحام، ما زالت عمتي الكبيرة تتذكرك وتنهمر دموعها كالسيل الجارف. أمي منذ فارقتِ الحياة لم أجد طعماً للحياة، أشعر أن روحي خرجت معك، لأنها جزء من روحك بل هي روح واحدة، أحس أني أعيش جسداً بلا روح فيما أنتِ تعيشين روحاً بلا جسد، لم يعد حطام الدنيا عندي يساوي شيئاً. أتذكركِ في الصباح والمساء عند الذهاب والإياب، وعند الصلاة والدعاء تكونين أنتِ حاضرة يا أغلى الحبايب، كيف أنساكِ وأنا عشت طفولة رغيدة كان بعض الأطفال في قريتي "بني بشير" يحلمون بشراء البسكويت، فيما كنت توفرين لي وإخوتي بسكويت الميزان بالكراتين والويفر أيضاً. كيف أنساكِ وأنتِ تتعاملين معي وأنا في الأربعينيات من عمري مثل ابني محمد وأحمد وكأني طفل صغير مثلهما، ظل عقلك مشغولاً بي "علي أين ذهب، علي تأخر، علي تبدو مريضاً أو متعباً، علي جائع" وأحياناً أجد يدك تمتد إلى جبهتي لتقيس درجة حرارة الجسم!وعندما أكون مريضاً تعلنين حالة الطوارئ. ما زلت أشعر بالحسرة عندما علمت أنكِ كنت تبكين عندما سافرت قبل خمسة شهور إلى أمريكا، رغم أني لم أسافر إلا بعد أن أذنتِ لي، قص لي أبي حالك فبكيت، صدقيني لو أني عرفت أنك ستحزنين وتبكين لما سافرت. أمي أعرف أنكِ لن تقرأي هذه السطور التي لن تفيك حقك، لكني أشعر أن روحكِ الطاهرة تشعر بي وتحس بما في داخلي، لم أشترِ لك هدية هذا العام، انهمرت دموعي عندما وصلتني رسالة يمن موبايل، لم أستطع أن أتمالك نفسي أمام صديقي العزيزين توفيق الحرازي وعبداللَّه تامة وبكيت كالطفل الصغير الذي فقد أمه في مكان ما، أعرف أن دمعي لا يقدم ولا يؤخر لكنه تعبير رمزي عن فراق من وضع اللَّه الجنة تحت قدميها. أستودعك اللَّه يا أمي، ومهما افترقنا لسنوات أو شهور أو أيام إلاَّ أني اسأل اللَّه أن يجمعني بك في الفردوس الأعلى، وأن يثبتني بالقول الثابت كما ثبتك وجعل آخر كلامكِ «لا آلة إلا اللَّه»، فهنيئاً لكِ الفوز والنجاح، فللَّه ما أخذ وللَّه ما أعطى، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه. albasheri72@gmail.com
يرحب الموقع بآراء الزوار وتعليقاتهم حول هذه المادة تحديداً، دون الخروج عن موضوع المادة، كما نرجو منكم عدم استعمال ألفاظ خارجة عن حدود اللياقة حتي يتم نشر التعليق، وننوه أن التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الموقع.