كان لنظام صالح علاقة ببعض المجاهدين العائدين من أفغانستان، ولم تكن علاقة كهذه معيبة، حتى في نظر من يتهمون صالحا اليوم بعلاقة مع تنظيم القاعدة، بل إن هؤلاء كانوا على علاقة بأولئك المجاهدين أيضا.

لم تكن القاعدة كتنظيم قد وجدتْ في اليمن، ولم تكن الحرب على الإرهاب تستدعي أن يتخلى صالح عن علاقته بالمجاهدين ولم تكن تستدعي أيضا أن يتخلى أولئك عن مبدأ الجهاد في سبيل الله. على الأقل بالشكل الذي رأيناه بعد 11\سبتمبر.

ولم يكن المجاهدون حينها ليختلفوا عن باقي من تجمعهم علاقة من أي نوع بنظام صالح، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات، واستدعاء ما كان يحدث في ظل مثل تلك الظروف لمحاكمته بظروف اليوم المختلفة تماما، يُعتبر مغالطة سخيفة.

لكن الخلط المتعمد بين الأمرين فيه مغالطة أكثر سخفًا، فبعد الحادي عشر من سبتمبر حصل تمايز واضح، ولم يعد بمقدور المجاهدين أن يجمعوا بين علاقتهم بالجهاد وبين علاقتهم بنظام صالح، كما لم يعد بمقدور صالح أن يجمع بين علاقته بالمجاهدين وبين تحالفهم مع أمريكا، كما لم يكن بمقدور غيره وغيرهم فعل ذلك.

هناك من تخلى عن الجهاد وأبقى على علاقته بصالح، وهناك من تخلى عن صالح وأبقى على علاقته بالجهاد، وهناك من تخلى أو سكت عن الأمرين، أما نظام صالح فلم يكن بمقدوره أن يتخلى عن تحالفه مع أمريكا في الحرب على الإرهاب، كما لم يكن بمقدور غيره، لأن من لم يكن مع أمريكا سيكون ضدها.

الذين تخلوا عن علاقتهم بنظام صالح وأبقوا على علاقتهم بالجهاد، كانوا هدفا رئيسيا لأمريكا، وهدفا لصالح بالتبعية، وهدفا في بعض الأحيان لمن كانوا مجاهدين ممن قرروا أن لا يكونوا هدفا لأمريكا ولصالح.

وحين بدأت الحرب الدولية على الإرهاب، وكان نظام صالح من المشاركين فيها، حاول الأخير الاستفادة من ملف هذه الحرب، كما يفعل مع كثير من الملفات ، ولأنه لم يكن مقتنعا بها أيضا، لكن لم يكن بمقدوره إدارته، لأن من يحاربهم ليسوا تحت سلطته.

ومن أولئك الذي حاربهم صالح إلى جانب أمريكا، نشأ التنظيم الذي سبب الصداع للولايات المتحدة الأمريكية ولصالح، ومع تعاظم خطره وجد صالح نفسه مجبرا على تقديم التنازلات لأمريكا، وكانت المعارضة اليمنية تتحدث عن علاقة مشبوهة بين صالح وأمريكا أكثر من حديثها عن علاقة مشبوهة بين صالح والقاعدة.

وحين قتلت طائرة أمريكية الشيخ أبا علي الحارثي في صحراء مأرب عام 2002م، أصدرت أحزاب المعارضة السبعة بيانا مشتركا قويا يدين الغارة، واتهمت نظام صالح بالتواطؤ مع أمريكا في قتل يمنيين، رغم أن المستهدف كان الرجل الأول في قاعدة اليمن.

لم تكن المعارضة، حين كتبت البيان، تملك دليلا واحدا يؤكد تورط صالح في علاقة مع أمريكا أدت إلى عملية القتل تلك، وكانت تتفاعل كثيرًا مع إشارات وسائل إعلام أمريكية إلى وقوف الطيران الأمريكي وراء العملية.

وظلت الأمور هكذا حتى عام 2009م، حين جددت المعارضة اتهامها لصالح بالتواطؤ مع الخارج في قتل يمنيين، بعد حادثة المعجلة، ثم جاءت بعد حادثة المعجلة بعام وثائق ويكيليكس التي جعلت من كان ناطقا باسم أحزاب اللقاء المشترك، محمد الصبري، يدعوا إلى محاكمة صالح بتهمة الخيانة الوطنية ولاشتراكه مع الخارج في قتل أبناء الشعب اليمني، وكانت مواقع معارضة تترجم أولا بأول كل ما يخص اليمن من تلك الوثائق.

وبعد وثائق ويكيليكس بأسابيع معدودة جاءت الثورة اليمنية، وبعد انطلاق الثورة اليمنية بأسابيع معدودة وجد معارضو صالح أنهم بحاجة لمساندة أمريكا لهم، كما كان صالح بحاجة للأمر ذاته، وكان موضوع الحرب على الإرهاب بوابة الطرفين إليها.

لم يعد من صالح المعارضة أن تتحدث عن علاقة مشبوهة تجمع أمريكا بنظام صالح، لأن علاقة أكثر شبهة مع ستجمعها قريبا مع أمريكا، لهذا تناست كل ما جاء في وثائق ويكيليكس، وكل ما سيجيء منها، وكرست جهدها للحديث عن علاقة صالح بتنظيم القاعدة.

وبرغم أن القاعدة التزمت الصمت في أشهر الثورة الأولى، وبرغم أنها حين قررت الخروج اختارت لها اسما آخر، "أنصار الشريعة" حتى لا يؤثر خروجها على مسار الثورة، إلا أن وسائل إعلام المعارضة كانت تصر على أن من سيطروا على أجزاء من أبين هم من تنظيم القاعدة، من تنظيم القاعدة التابع لعفاش تحديدا، كما كانت تقول.

كانت أمريكا خائفة من أن تفقد الامتيازات التي تحصل عليها من نظام صالح في الحرب على الإرهاب، وكانت المعارضة خائفة من أن يغازل صالح الأمريكان بالمزيد منها، لهذا تجاوزت ما يمكن أن يصل إليه صالح من التنازلات بكثير.

وهنا بدأ الموقف الأمريكي من صالح يتغير، لكن بشكل تدريجي وبطيء، لغرض اختبار موقف المعارضة من العمل الأمريكي العسكري في اليمن، فلا يكفي أن يقول القيادي الإخواني عبد الرحمن بافضل إنهم مستعدون لفتح أجواء اليمن على مصارعها لطيران أمريكا وفرنسا كي تدق القاعدة في اليمن، بل لا بد من إثبات ذلك عمليا.

وابتداء من شهر 7\ 2011م، بدأت طائرات أمريكا تسرح وتمرح في الأجواء اليمنية دون اعتراض من أحد، فهي في نظر جماهير المعارضة اليمنية في مهمة ثورية لمحاربة قاعدة عفاش.

قتلت تلك الطائرات المئات من اليمنيين، منهم قاعدة ومنهم مدنيون، لكن المعارضة لم توجه التهمة لصالح بالتواطؤ مع الأمريكان في قتل يمنيين، ولم يخرج محمد الصبري ليطالب بمحاكمته، لتفريطه في السيادة اليمنية، كما لم تتهم وسائل إعلام المؤتمر المعارضة بما كانت المعارضة تتهم رئيسه به، فالجميع مقيدون بسباق التنازلات وبإثبات الجدية في الحرب على الإرهاب.

ثم تطور الأمر أكثر، حيث أصبح ما كان يُدان صالح به، ويستحق عليه المحاكمة، عملا وطنيا، بل إن الشكوك صارت تدور حول من يدين هذا العمل، لكن أولاد الذين لازالوا يتحدثون عن "قاعدة عفاش".

والشاهد أن القاعدة كتنظيم لا علاقة لها بصالح، وأن علاقة المجاهدين العائدين من أفغانستان خلال فترة التسعينات بصالح، كانت كعلاقة كل الأطراف بهم وبه، وأن علاقة صالح المشبوهة بأمريكا ليست شيئا أمام علاقة من خلفوه، وأن الناس لازالوا يخلطون بين العائدين من أفغانستان وبين القاعدة كتنظيم، وأن المعارضة ترسخ هذا الخلط لتمرر ما تريد تمريره، وأن الانقلاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار لدوافع سياسية لا علاقة لها بالقناعات، أمرٌ حقير جدا.

محلل وصحفي في شؤون القاعدة..