بقلم / أنوار القريشي -
هذا عامٌ جديد، يفيض بالأحلام ويكتظ بالطموحات والآمال، هذا العام جرّب ألا تكون شيئاً يشبهك، بل أن تكون نفسك أنت، هذا العام جرّب أن تتخلى عن كل شيء لا يعبر عنك.
جرّد روحك من كل الضغوطات، جرد روحك من كل ما يصوغه المجتمع، ليس صحيحاً كل ما يقال لك، ليست كل المتبرجات عاصيات، ليست جميع اللحى دليلا على التدين، ليست كل الابتسامات دليلا على السعادة، وليست كل الدموع دليلا على الحزن.
عليك أن تكون نفسك ولا شيء آخر، نفسك حتى وإن امتلأت بالتناقضات والعيوب، عليك بأن تكون نفسك حتى عندما يشير أحدهم بأصبع الاتهام إليك ويذمك لعيب فيك، يجب أن تكون نفسك حتى لو لم تعجب أحداً، حتى لو لم تُقنع أحداً، كن أنت.. بلا تصنع ولا تجمل ولا دجل، كن أنت حتى يتسنى لك إصلاح ما يمكنك إصلاحه في نفسك.
جرّبي هذا العام أن تتخلي عن تجاعيد وجهك، عن تساقط شعرك وامتلاء جسدك بالشحوم، جرّب أن تتخلى عن لحيتك وشاربيك، جرب أن تتخلى عن كل مظاهر الزمن على عقلك وجسدك، عُد طفلاً، بتجربته الأولى للحياة، طفلا نقيا وبريئا دون أي خبرات سابقة متراكمة في رأسه، افتح قلبك للحياة، استشعر لذة القهوة وطعم البن، ومتعة الابتسامة والركض، استشعر رائحة الهواء، وطعم المطر، استشعر أقدامك وأنت تمشي على البحر، كن متيقظاً، افتح عقلك للأفكار الجديدة، ارفض ما يقدمه المجتمع من عادات مغلوطة، قِف لنفسك، كن بالفعل على رجليك.
كن أنت ولا تنخدع بالصور التي يطعم عقلك بها المجتمع، كن إنساناً أفضل، إنساناً أكثر حُباً وعطاء، لست مضطراً لأن تكون إنساناً لا تود أن تكونه، لست مضطراً لأن تجامل أحدا أو ترضي أحدا، وليس من حق شخص أن يوقفك، ليس من حق شخص أن يمنعك عن التحليق، إن كنت مجبراً على تخصص معين بسبب رغبة أهلك فارفض ذلك واختر ما تريد، إن كنت مرغمة على زوج لا تريدينه، فارفضي ذلك ولا تقبلي بهذا الظلم، ليس ثمة ظالمون لو لم يكن هناك مظلومون، لو أن كل واحد فينا طالب بحقه، لما كان من الممكن أن يتجرأ الظالم على أحد، لما كان من الممكن أن يكون ظالم قط، يجب أبداً ألا يستسلم المرء لضغوطات من حوله، لا يجوز لأي مخلوق أن يعيش تجربةً ما مُكرهاً ومُجبراً عليها، ليس من حق أحد أن يعيش حياة شخص آخر بدلاً عنه، حتى لو كان هذا الآخر؛ ابنه أو أخته أو زوجته، ليس من حق أحد أن يتخذ القرارات بدلاً عن أي شخص، حتى لو كان في قراراته الكثير من الأخطاء.
لا تحتجزوا أنفسكم بأنفسكم فيما هنالك متسع للطيران، لا تكسروا عزائمكم كونوا أقوياء وأوفياء لأنفسكم، كونوا أكثر وعياً وإدراكاً لذواتكم وما يحدث حولكم، اختاروا طريق السير بوعي، عيشوا تجربة اتخاذ القرارات، عيشوا روعة القرارات الصحيحة وتجربة التعلم من القرارات الخاطئة، كل شيء في الحياة مهما بدا سخيفاً وصغيراً يستحق الامتنان، كل تجربة قاسية تستحق التأمل، كل خطأ كل زلة كل صفعة وكل حُلم، كل اللحظات الجميلة منها والتعيسة، كل الأمنيات التي لم تتحقق، وكل تلك التي تحققت تستحق الامتنان، كونوا أكثر امتناناً للرب على النعم، كونوا شاكرين ذاكرين بدل أن تكونوا متذمرين وسائلين، فإن الله يؤتي الذاكرين أكثر مما يؤتي السائلين.
اعبدوا الله لأنكم تحبونه، ليس لأنكم تخافونه، شعور الخوف لا يجلب إخلاصاً في الدعاء، لا يجلب إخلاصاً في الصلاة، الحب وحده من يجعل العبد وفياً، ومشتاقاً لمن يحب، الحب وحده من يجعل ابنك المراهق يقوم للمسجد، الحب وحده من يجعل ابنتك تتقي الرب في نفسها وبك، الحب وحده من يجعل كل العبادات دائمة، وكل الصلوات قائمة، الحب وحده من يصلح النوايا، ويجلب الخيرات، والتقوى والإخلاص والخشوع، الحب وحده يفعل ذلك، لا تُسمموا عقول أبناءكم بالخوف، الخوف لا يجلب إلا التمرد ولا شيء في النهاية إلا ذلك.
في هذا العام، كل الناس يتمنون الأماني كَكُل عام، كل الناس ينتظرون بزوغ أول فجر ليرسلوا أحلامهم، العالم أجمع يصرخ: Make a wish -أي تمنّ أمنية، ولكنني لن أقول لك تمنّ، مثل كل سنة ولا يحدث بعدها شيء!.. بل على العكس سأقول لك: لا تتمّى شيئاً.. نعم لا تتمنّ شيئاً بل اصنعه بيديك.
